|
| السنة النبوية اليومية للرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل أمور الحياة | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
عبد الفتاح احمد المدير العام للمنتدي
عدد المساهمات : 454 نقاط : 150998 العضوية : 0 12/04/2011 العمر : 39
| موضوع: السنة النبوية اليومية للرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل أمور الحياة الخميس يونيو 02, 2011 11:39 pm | |
| السنة في الأصل هي كل ما أضيف للرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية , هذا هو معنى السنة , ففي الأصل هي الطريقة , ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشديين المهديين عضوا عليها بالنواجذ " رواه أبوداود والترمذي من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه , فكل ما كان على طريقته صلى الله عليه وسلم فهو من سنته , فقد يكون المأمور به في سنته مستحباً أو واجباً حسب ما تقتضيه الأدلة . ثم شاع عند المتأخرين أن السنة هي بمعنى المستحب والمندوب وهو الذي جرى عليه عمل أهل الأصول والفقه وهذا المعنى هو المراد في هذه الورقات , فالسنة على هذا المقصود : هي ما أمر بها الشارع ليس على وجه الإلزام , وثمرتها : أنه يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها . - نماذج من حرص السلف على السنة - روى مسلم في صحيحه حديث النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ». قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم . وَقَالَ عَنْبَسَةُ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ. - حديث عَلِي رضي الله عنه : أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا. وَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ. فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ. وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ. فَأَخْبَرَتْهَا. فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا. وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا. فَذَهَبْنَا نَقُومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي. ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْراً مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللّهَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ. وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. وَتَحْمَدَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». رواه البخاري ومسلم . وفي رواية : قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه : مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . قِيلَ لَهُ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ. ومعلومٌ أن ليلة صفين ليلة دارت فيها معركة كان عليٌّ رضي الله عنه قائداً فيها ومع ذلك لم ينشغل عن هذه السنة . - كان ابن عمر رضي الله عنه يصلي على الجنازة ثم ينصرف ولا يتبعها ظانَّاً أن هذا هو كمال السنة , ولم يعلم بالفضل الوارد في إتباعها حتى تدفن , فلما بلغه حديث أبي هريرة رضي الله عنه ندم على فوات السنة وتأمل ماذا قال . عن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ وَقَّاصٍ ، أَنَّهُ كَانَ قَاعِداً عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. إذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ! أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا. ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ. كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ. وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الاٌّجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ»؟ فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه خَبَّابَّاً إلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه . ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ: وَأَخَذَ ابْن عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ. حَتَّى رَجِعَ إلَيْهِ الرَّسُولُ , فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه . فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الاٌّرْضَ . ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. رواه البخاري ومسلم . قال النووي : " وفيه ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات حين يبلغهم , والتأسف على ما يفوتهم منها وإن كانوا لا يعلمون عظم موقعه " - حديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ قَرِيباً لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ . قَالَ فَنَهَاهُ وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ وَقَالَ: «إنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْداً وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوّاً. وَلكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» قَالَ فَعَادَ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. رواه البخاري ومسلم , والخذف هو رمي الإنسان بحصاة أو نواة ونحوهما يجعلها بين أصبعيه السبابتين أو الإبهام والسبابة. والنماذج في حفاظهم على السنة وتعظيمها كثيرة ولا عجب فقد كانوا أحرص الناس على الخير , وهكذا تأثر بهم مَن بعدهم من السلف والقرون المفضلة , وأصبح التأريخ يسطر لنا ممن تبع أولئك الرجال في التمسك بالسنة نماذج تشجع النفس على الحرص على السنة واقتفائها , فهذا الإمام أحمد رحمه الله وضع في كتابه المسند فوق أربعين ألف حديث، لكنه عمل بها كلها، قال: ما تركت حديثاً إلا عملت به، ولما قرأ " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة الحجام ديناراً " قال: احتجمت وأعطيت الحجام ديناراً، والدينار أربعة غرامات وربع من الذهب، لكن لأجل تطبيق الحديث بذلها الإمام أحمد رحمه الله تعالى , والنماذج في هذا الصدد كثيرة , نسأل الله أن يحيي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم في قلوبنا لتنال من الفضائل والمِنَحِ والقُرْبِ من الله سبحانه وتعالى ما استودعه في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم , فباتباع السنة ينال الإنسان ذلك , ولذا يقول ابن القيم ( في المدارج ) " قال ابن عطاء : من ألزم نفسه آداب السنة نوَّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه" وقال ابن القيم ( في اجتماع الجيوش ) : " ترى صاحب اتباع الأمر والسنة قد كُسي من الرَوح والنور ومايتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حُرِمه غيره كما قال الحسن: " إن المؤمن من رُزق حلاوةً ومهابة " - من ثمرات اتباع السنة لإتباع السنة – أخي الحبيب – ثمرات كثيرة منها : 1- الوصول إلى درجة المحبة , فبالتقرب لله سبحانه وتعالى بالنوافل تنال محبة الله سبحانه وتعالى للعبد . قال ابن القيم ( في المدارج ) : " ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهراً وباطناً, وصدقته خبراً , وأطعته أمراً , وأجبته دعوةً , وآثرته طوعاً , وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته , وعن طاعة غيره بطاعته , وإن لم يكن ذلك فلا تتعنَّ, وارجع من حيث شئت فالتمس نوراً فلست على شيء " 2- نيل معيَّة الله تعالى للعبد , فيوفقه الله تعالى للخير فلا يصدر من جوارحه إلا ما يرضي ربه سبحانه وتعالى ؛ لأنه إذا نال المحبة نال المعيَّة . 3- إجابة الدعاء المتضمنة لنيل المحبة , فمن تقرب بالنوافل نال المحبة , ومن نال المحبَّة نال إجابة الدعاء . ويدل على هذه الثمرات الثلاث : حديث أبي هريرة قال: قال رسول الَّله صلى الله عليه وسلم : «إن اللَّهَ قال: من عادَى لي وَليّاً فقد آذَنْته بالحرب. وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افتَرَضْته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه ، فإذا أحبَبته كنت سمعه الذي يسمع به وبَصرَه الذي يبصر به ويدَه التي يبطِش بها. ورجله التي يمشي بها، وإنْ سألني لأَعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذَنه. وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله ترَدُّدي عن نفسِ المؤمن يكرَه الموتَ وأنا أكرَه مَساءته». رواه البخاري . 4- جبر النقص الحاصل في الفرائض , فالنوافل تجبر ما يحصل في الفرائض من خلل . ويدل على ذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسولَ اللهصلى الله عليه وسلم يقولُ: «إنَّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من عملهِ صَلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضةٍ شيئاً قال الرب تبارك وتعالى: أنظروا هل لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقصَ من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِهِ على ذلك» رواه أحمد وأبوداود والترمذي . 5- حياة القلب كما تقدّم ، فالعبد إذا كان محافظاً على السنة كان لما هو أهم منها أحفظ فيصعب عليه أن يفرِّط بالواجبات أو يقصِّر فيها , وينال بذلك فضيلة أخرى وهي تعظيم شعائر الله , فيحيا قلبه بطاعة ربه , ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض . 6- البعد والعصمة من الوقوع في البدعة ؛ لأن العبد كلما كان متبعاً لما جاء في السنة كان حريصاً ألا يتعبد بشيء إلا وفي السنة له دليل يُتَّبع , وبهذا ينجو من طريق البدعة . وللحفاظ على السنة ثمرات كثيرة , قال ابن تيمية ( في القاعدة الجليلة ): "فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فالله كافيه وهاديه وناصره ورازقه " وقال تلميذه ابن القيم ( في المدارج ) " فمن صحب الكتاب والسنة وتغرب عن نفسه وعن الخلق وهاجر بقلبه إلى الله فهو الصادق المصيب " - قبل الشروع في المقصود أخي القارئ : وقبل الشروع في بيت القصيد , وعرض ما تيسر لي جمعه من السنن اليومية أفيدك بما يلي : أولاً : لا أدَّعي حصر السنن اليومية بما في هذه الورقات فقط , ولكن حسبي من ذلك أن هذا هو الذي آلى إليه اجتهادي مع تقصيري , فجمعت في هذه الورقات كل ما تتبعته من السنن اليومية , وقد أُغفل بعض السنن عمداً للخلاف في ثبوتها لضعف دليل , أو لخلاف في فهم الاستدلال في السنة وقد حرصت على تقييد ما صح به الخبر من السنة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تحية . ثانياً : هناك من السنن التي تتبع الأحوال أو الأماكن أو الأزمان فهي لقوم تُعدُّ من السنن اليومية ولآخرين لا تُعدُّ كذلك , لم أذكرها عمداً لأن غالب الناس لا تتكرر عليهم , وعلى سبيل المثال من كان في مكة أو المدينة فإنه يستطيع كل يوم أن يزور المسجد الحرام أو النبوي ويصلي فيه فينال فضيلة مضاعفة الصلاة , وكذا هناك بعض السنن لا تكون إلا للأئمة أو المؤذنين ونحو ذلك من السنن التي تتعلق بأمر معيَّن ربما لا يتأتى لكثير من الناس , وهناك سنن تختلف باختلاف الحال : كالزيارة الأخوية في الله , وعبادة التفكُّر , والشكر , وعيادة المريض , والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم , وزيارة المقابر , وصلة الرحم , وطلب العلم , والصدقة , وسنن الاغتسال ونحوها من السنن التي أغفلتها عمداً , لعدم الجزم بأنها سنن يومية مع أن الإنسان يستطيع أن يأتي بها متى شاء من أيامه , ولكن كما سبق حرصت على الذي يتكرر غالباً . ثالثاً : اعلم أيها المفضال أن إتباع هديه صلى الله عليه وسلم يشمل إتباع أخلاقه , وتعامله , وأدبه مع ربه , ومع سنته , ومع الناس , فلا تغفل – أيها المبارك – عن هذا المطلب المهم , فالأخلاق عماد مهم يحتاجه واقعنا اليوم كثيراً , نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق ويصرف عنَّا سيئها , واعلم أن التقرب لله تعالى بالفرائض مقدَّم على النوافل وأعظم أجرا , فالله سبحانه وتعالى يقول " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه " رابعاً : إنني أخاطب بهذه السنن نفسي المقصرة , ويعلم الله أنني أردت أن أنفع نفسي بعرض السنن اليومية أمام عينيَّ والنظر فيما كنت مقصِّراً فيه ؛ لأحملها على الإصابة من هذه السنن , والمحافظة على هدي النبي صلى الله عليه وسلم , ومن ثَمَّ نفع إخواني وحثهم على اقتفاء هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم , فشدَّ العزم أُخيَّ , لنجعل أيامنا قريبةً من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم , لنعمرها بطاعة ربنا , ولنحيي قلوبنا بها ؛ لننال محبة الله جلَّ في علاه وما في السنن من ثمرات , وأخيراً أوصيك أخي في تعاملك مع السنن بوصيتين ذكرهما النووي رحمه الله تعالى : الأولى : لا تدع سنة من السنن إلا وقد كان لك منها نصيب ولو لمرة واحدة . قال النووي في كتابه ( الأذكار ) : " اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة واحدة ، ليكون من أهله ، ولا ينبغي أن يتركه مطلقاً لحديث :" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري " والثانية : إذا أنعم الله عليك بطاعة وكنت من أهلها من المواظبين عليها وفاتت عليك يوماً فحاول أن تأتي بها إن كانت مما تُقضى , فإن العبد إذا اعتاد على التفويت وتساهل فيه ضيَّع العمل . يقول النووي رحمه الله فى فائدة قضاء الذكر، قال "ينبغى لمـن كان له وظيفة من الذكر فى وقتٍ من ليلٍ أو نهار أو عقب صلاة أو حالةً من الأحوال ففاتته، أن يتداركها ويأتى به إذا تمكن منها ولا يهملها فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفـويت، وإذا تساهل فى قضائها سهل عليه تضييعها فى وقتها". أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن يتبعون هدي النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ويقتفون أثره ويحشرون في زمرته إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيراً إلى يوم الدين .
نقصد بالسنن الموقوتة هي السنن المؤقتة بأوقات في اليوم والليلة , فهي سنن تُسنُّ بأوقات معينة , وقسمت الأوقات إلى سبعة أوقات : ما قبل الفجر , ووقت الفجر , ووقت الضحى , ووقت الظهر , ووقت العصر , ووقت المغرب , ووقت العشاء . أولاً : وقت ما قبل الفجر وهذا هو الوقت الأول باعتبار الاستيقاظ من النوم , فإن النصوص دلَّت على عدة أعمال كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت ويمكن تقسيم السنن في هذا الوقت إلى قسمين : القسم الأول : قيامه من النوم وفيه عدة أعمال كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم :- 1. يشوص فاه بالسواك أي يدلكه بالسواك عن حُذيفةَ قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليلِ يشَوصُ فاهُ بالسِّواكِ . متفق عليه , ولمسلم في رواية : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. والشوص : دلك الأسنان عرضا ً بالسواك . 2. يقول الأذكار الواردة عند الاستيقاظ من النوم. ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري من حديث حذيفةرضي الله عنه قال : «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينامَ قال: باسمكَ اللهمَّ أموتُ وأَحْيا , وإذا استيقظ من مَنامه قال: الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتَنا وإليه النُّّشور». ورواه مسلم من حديث البراء رضي الله عنه . 3- يمسح النوم عن وجهه 4- وينظر إلى السماء 5- ويقرأ الآيات العشر الأخيرة من سورة آل عمران . وهذه ثلاث سنن جاءت في حديث ابن عباس رضي الله عنه المتفق عليه : أنه بات ليلةً عندَ مَيمونةَ زَوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ـ وهيَ خالَتُهُ ـ فاضْطَجَعْتُ في عَرْضِ الوسادةِ، واضْطَجَعَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وأهلُهُ في طُولِها، فنامَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا انْتَصَفَ الليلُ ـ أو قبلَهُ بقليلٍ، أو بعدَهُ بقليلٍ ـ اسْتَيقَظَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَجَلسَ يَمسَحُ النومَ عن وَجههِ بيَدِه، ثمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآياتِ الْخَواتِمَ مِن سورةِ آلِ عِمرانَ. ثمَّ قامَ إلى شَنٍّ مُعلَّقةٍ فتَوَضَّأ منها فأحْسَنَ وُضوءَهُ، ثمَّ قامَ يُصلِّي . وفي رواية لمسلم : فَقَامَ نَبِيُّ اللّهِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ. ثُمَّ خَرَجَ فَنَظَرَ إِلى السَّمَاءِ. ثُمَّ تَلاَ هذِهِ الآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ: {إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهارِ} . - ( يمسح النوم عن وجهه بيده ) أي يمسح عينيه بيده ليمسح أثر النوم , و ( الشنُّ ) هي القِرْبَة , وفي رواية مسلم بيانٌ لما يقرأه من أراد تطبيق هذه السنة فإنه يبدأ من قوله تعالى {إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهارِ} . إلى خاتمة آل عمران , وفي قراءة صلى الله عليه وسلم لهذه الآيات قبل الوضوء دليل على جواز قراءة القرآن على غير طهارة من الحدث الأصغر . 6- يغسل يديه ثلاثاً . لحديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلاَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الإِنَاء حتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثاً، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». متفق عليه . - اختلف أهل العلم في حكم غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من نوم الليل على قولين : فمذهب الحنابلة على أنه واجب , وهذا من مفردات الحنابلة . واستدلوا : بالحديث السابق , فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن غمسهما قبل غسلهما , والأصل في النهي التحريم ولا صارف للنهي عن التحريم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " متفق عليه . والقول الثاني : أنه مستحب , وبه قال جمهور العلماء . واستدلوا : 1- بعموم قول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .."[ المائدة :6 ] ووجه الدلالة : أن الله سبحانه وتعالى أمر بالوضوء من غير غسل الكفين والآية عامة لمن قام من نوم الليل وغيره . 2- قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنه لا يدري أين باتت يده " تعليل يدل على الاستحباب لأن نجاسة اليد مشكوك فيها , والأصل أنها طاهرة فهو اليقين , واليقين لايزول بالشك . ويحتاط المسلم فيأخذ بالقول الأول لقوة دليلهم ولعدم الصارف عن الوجوب , وأما الاستدلال بالآية فهو عام في الوضوء مطلقاً بخلاف استدلال أصحاب القول الأول فهو في حالة مخصوصة . 7- أن يستنشق ويستنثر بالماء ثلاثاً . لحديث أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ».متفق عليه وفي رواية البخاري :«إِذا استيقظ أحدُكم من منامهِ فتوضّأ فلْيستَنِثر ثلاثاً...». - اختلف أهل العلم في حكم الاستنثار ثلاثاً بعد الاستيقاظ من نوم الليل على قولين : القول الأول : قالوا بالاستحباب ، للعلة الواردة في الحديث " فإن الشيطان يبيت على خياشيمه " ووجه الدلالة : قالوا : إن بيات الشيطان هنا لا يُحدث نجاسة حتى يؤمر الإنسان بإزالتها على وجه الإلزام . والقول الثاني : أن الاستنثار واجب ، لأن الأصل في الأمر الوجوب ولا صارف يصرفه عن الوجوب ، وما ذكره أصحاب القول الأول ليس صارفاً تقوم به الحجة يصرف الأمر عن الوجوب لأن الحكمة من الأمر بالاستنثار قد تكون مخفية وليست النجاسة . ويحتمل أن يحمل المطلق على المقيَّد ففي حديث الباب الأمر بالاستنثار ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم وجاء في رواية البخاري ما يُقَيِّدُ هذا الأمر بحال الوضوء ، فإما أن يحمل المطلق على المقيد فيكون المقصود بالأمر هو حال الوضوء أو يعمل بالحديثين فيكون الاستنثاران واجبين والله أعلم . فائدة : قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن الشيطان يبيت على خياشيمه " اختُلف في معناه : ـ قيل : إن بيات الشيطان ليس حقيقة وإنما المراد به ما يكون في الأنف من أذى يوافق الشيطان . وقيل : هو على ظاهره وأن الشيطان يبيت حقيقة وذلك لأن الأنف أحد منافذ الجسم التي يتوصل إلى القلب منها , والمنافذ كلها لها غَلْقٌ إلا الأنف والأذنين فيدخل منها الشيطان , وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه المتفق عليه : " ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه أو قال : في أذنه " وأما الفم فله غَلْقٌ أيضاً ولذلك حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على كظم الفم عند التثاؤب ؛ لئلا يدخل الشيطان فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً : " إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه ،فإن الشيطان يدخل " وفي رواية " فليكظم ما استطاع " وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال " ها " ضحك الشيطان " . وعلى كل حال الواجب على المسلم الإيمان والتصديق والامتثال والطاعة سواء علم حقيقة وحكمة ما أُمر به أو خفي عليه ذلك , فيكون ذلك من جملة ما خفي عليه من علم الله جل وعلا الذي أحاط بعلمه كل شيء سبحانه. 8- ثم يتوضأ لحديث ابن عباس المتقدم حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام إلى قربة معلقة فتوضأ منها . وعند الوضوء , نقف وقفة نبيِّن فيها سنناً في الوضوء على وجه والاختصار والعدِّ لا على وجه التفصيل والحصر ؛ لأنها معلومة وإنما نذكِّر بها إتماماً للسنن , فمن سنن الوضوء : 1- السواك وذلك قبل البدء بالوضوء أو قبل المضمضة , وهذا هو الموضع الثاني الذي يُسنُّ فيه السواك – وتقدم الموضع الأول – فيُسن لمن أراد الوضوء أن يستاك . لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو لا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء " رواه أحمد ورواه ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما ورواه البخاري تعليقا ً .ولحديث عائشة قَالَتْ: " كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ. فَيَبْعَثُهُ الله مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ. فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي ..." رواه مسلم . 2- التسمية لحديث أبي هريرةرضي الله عنه مرفوعاً :" لا وُضُوءَ لمن لم يَذْكُرِ اسْمَ الله " رواه احمد وأبو داود وابن ماجه . والحديث ضعيف ضعفه أبو زرعة , وأبو حاتم , وابن القطان والإمام أحمد وقال : "لا يثبت في هذا الباب شيء " وله شواهد عن جمع من الصحابة وكل هذه الشواهد فيها ضعف وذهب جماعة من العلماء إلى أن الحديث بمجموع الطرق يرتقي إلى درجة الحسن , قال ابن حجر في التلخيص : " الظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا " وإن احتُج بالحديث فإنه يُحمل على الاستحباب وهو قول جمهور العلماء , وحديث أبي هريرةرضي الله عنه بمجموع طرقه حسنه غير واحد من أهل العلم ( انظر تلخيص الحبير لابن حجر 1 / 128 ) ومحجة القرب لابن الصلاح ( 249 ) والسيل الجرار للشوكاني ( 1 / 76 ) وغيرهم ) 3- غسل الكفين ثلاثا ً . لحديث عثمانرضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم " وفيه : أنه دعا بوضوء فغسل كفيه ثلاث مرات ... " ثم قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا " متفق عليه . والصارف عن الوجوب قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .."حيث لم يذكر غسل الكفين . 4- التيامن في غسل اليدين والقدمين . لحديث عائشةَ قالت : " كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعجِبهُ التَّيَمُّنُ في تَنَعُّلهِ وتَرَجُّلهِ وطُهورِه في شأنهِ كلِّه " . متفق عليه . وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَأُوا بِمَيَامِنِكُمْ» رواه أبو داود . قال ابن قدامة : " لا خلاف بين أهل العلم – فيما علمناه – في استحباب البداءة باليمنى " . 5- البداءة بالمضمضة والاستنشاق . لحديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم : " ..... فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ً " متفق عليه . فإن أخَّر المضمضة والاستنشاق بعد غسل الوجه جاز . 6- المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم . لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : «أَسْبِغ الوُضُوءَ، وخَلِّلْ بَيْنَ الأصَابِعِ ، وبَالِغْ في الاسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِماً» رواه أحمد وأبو داود . و أخذت المبالغة في المضمضمة من قوله " أسبغ الوضوء " قال ابن عثيمين رحمه الله ( في الممتع1/171 ) : " المبالغة في المضمضة : أن تحرك الماء بقوة وتجعله يصل كل ّ الفم , والمبالغة في الاستنشاق : أن يجذبه بنفس قوي ....... والمبالغة مكروهة للصائم ؛ لأنها قد تؤدي إلى ابتلاع الماء ونزوله من الأنف إلى المعدة " وقوله " أسبغ الوضوء " المراد بالإسباغ إيصال لكل عضو حقه من الوضوء وهذا إسباغ واجب , والإسباغ المستحب هو الإتيان بما يتم الوضوء بدونه من السنن , والإسباغ أجره عظيم لاسيما حال المكاره , كأن يكون الماء بارداً في الشتاء ليس عنده غيره , أو حاراً في الصيف ليس عنده غيره , فإذا أسبغ الوضوء كان أرفع لدرجاته وأمحى لسيئاته . ويدل على ذلك : حديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ علَى الْمَكَارِهِ. وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسْاجِدِ. وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ. فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ». رواه مسلم . 7- المضمضة والاستنشاق من كف واحدة . لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال : " .... أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا. فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَ وَاحِدَةٍ. فَفَعَلَ ذلِكَ ثَلاَثاً.." متفق عليه . - قال ابن القيم ( في زاد المعاد 1 / 192 ) : " ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح البتة ... وكان يستنشق بيده اليمنى ويستنثر باليسرى " . 8- في مسح الرأس تُسنُّ الصفة المسنونة وهي أن يبدأ في مسحه لرأسه فيضع يديه في مقدَّم رأسه , ثم يذهب بهما إلى قفا رأسه , ثم يرجعهما للمكان الذي بدأ منه , والمرأة أيضاً تفعل هذه السنة بنفس الطريقة , وما زاد من الشعر عن عنق المرأة فإنه لا يمسح . ويدل على ذلك : حديث عبدالله بن زيدرضي الله عنه في صفة وضوء النبيصلى الله عليه وسلم وفيه : " بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ, ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ " 9- التثليث في غسل الأعضاء . الغسلة الأولى واجبة وأما الثانية والثالثة فهي سنة ولا يزاد على ثلاث . ويدل على ذلك : ما ثبت عند البخاري من حديث ابن عباسرضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة , وثبت عند البخاري أيضا ً من حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين , وثبت في الصحيحين من حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا , ولذا فمن الأفضل التنويع أحياناً , فأحياناً يتوضأ مرة مرة , وأحياناً مرتين مرتين وأحياناً ثلاثاً ثلاثاً وأحياناً يخالف في العدد فيغسل مثلاً الوجه ثلاثاً واليدين مرتين والقدمين مرة كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه في رواية أخرى ( انظر زاد المعاد 1 / 192 ) ولكن الأغلب أن يأتي بالكمال ثلاثاً ثلاثا فهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم 9- الدعاء الوارد بعد الوضوء . عن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَأُ فَيُبْلِغُ (أَوْ فَيُسْبِغُ) الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلهَ أَلاَّ اللّهُ وَأَنَّ مُحمَّداً عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ، أَلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ» رواه مسلم . أو ما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا ً " من توضأ ففرغ من وضوئه فقال : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك طبع الله عليها بطابع ثم رفعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة " رواه النسائي (في عمل اليوم والليلة ) ورواه الحاكم , وصحح إسناده ابن حجر ( في نتائج الأفكار ( 1/246 ) وبيَّن أنه إن لم يصح مرفوعاً فهو موقوف ولن يضره ذلك لأن له حكم الرفع لأنه مما لا مجال فيه للرأي ), والطابع : بفتح الباء وكسرها لغتان فصيحتان وهو الخاتم ومعنى طَبَعَ : خَتَمَ . وليستحضر المسلم حينما يقدم على الوضوء , بأنه أقدم على عبادة فيها ثلاث فضائل عظيمة , فهي سبب في محبة الله تعالى له , وسبب في مغفرة الذنوب , وسبب في أن يُكسى يوم القيامة حُلَلاً في مواضع وضوئه , فعندها يستشعر ما أقبل عليه لاستشعاره ما تورثه هذه العبادة من فضائل , فقد قال تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ (أَوِ الْمُؤْمِنُ) فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذُّنُوبِ». رواه مسلم , وعنه قال : سَمِعْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ» رواه مسلم . القسم الثاني : قيامه لليل والوتر وفيه عدة أعمال هي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم :- 1- من السنة أن يصلي الليل في وقتها الأفضل فإن قيل : ما هو أفضل وقت لصلاة الليل ؟ من المعلوم أن وقت صلاة الوتر يبتدئ من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فصلاة الوتر محلها ما بين صلاة العشاء والفجر. ويدل على ذلك: 1. حديث عائشة قالت : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً . يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ . متفق عليه . 2. حديث عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم , مِنْ أَوَّلِ الليل وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ. فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ. متفق عليه. قال ابن المنذر في الإجماع (ص45): " وأجمعوا على أن مابين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر " - أما عن أفضل وقت لصلاة الليل فهو ثلث الليل بعد نصفه . والمقصود: أن الإنسان يقسم الليل أنصافاً ويقوم في الثلث من نصف الليل الثاني وفي آخر الليل ينام أي أنه يقوم في السدس الرابع والخامس، وينام في السدس السادس. ويدل على ذلك: حديث عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم «إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللّهِ صِيَامُ دَاوُدَ. وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى اللّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ (). كَانَ يَنَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ. وَيَقُومُ ثُلُثَهُ . وَيَنَامُ سُدُسَهُ. وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً». متفق عليه. - لو أراد الإنسان تطبيق هذه السنة فكيف يكون حسابه لليل؟ يحسب الوقت من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ثم يقسمه إلى ستة أقسام ، الثلاثة أقسام الأولى هذه النصف الأول من الليل , يقوم بعدها أي يقوم في السدس الرابع والخامس ( لأن هذا يعتبر ثلث ) ثم ينام في السدس الأخير وهو السدس السادس ولهذا عائشة رضي الله عنها قالت: « ما أَلْفَاهُ السَّحَرُ _ أي النبي صلى الله عليه وسلم _ عِنْدِيْ إِلا نَائِمَاً» متفق عليه . وبهذه الطريقة يكون المسلم في أفضل وقت لصلاة بالليل كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه السابق . وهل يكون بذلك أدرك وقت النزول الإلهي في الثلث الآخر من الليل؟ الجواب: نعم يكون أدركه في السدس الخامس، وذلك حينما قسَّم الليل ستة أقسام فإن السدس الأول والثاني يعتبر ثلث الليل الأول، والسدس الثالث والرابع يعتبر ثلث الليل الثاني، والسدس الخامس والسادس يعتبر ثلث الليل الآخر وهو وقت النزول الإلهي، والذي يقوم الثلث الذي بعد منتصف الليل سيكون مدركاً للثلث الآخر في السدس الخامس، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أرشدنا إلى هذا الوقت كما في حديث عبد الله بن عمرورضي الله عنه السابق فقال: « وَأَحَبَّ الصَّلاَةِ إِلَى اللّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ (). كَانَ يَنَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ. وَيَقُومُ ثُلُثَهُ . وَيَنَامُ سُدُسَهُ.» وهو الذي أرشدنا إلى فضل الليل الآخر بان فيه نزولاً يليق بالله جلَّ وعلا , فيكون الجمع بين هذين الحديثين بما مضى , فمن لم يستطع انتقل إلى المرتبة الثانية في الأفضلية فيقوم في الثلث الآخر من الليل. وملخص الكلام أن الأفضلية في وقت قيام الليل على ثلاث مراتب : المرتبة الأولى: أن ينام نصف الليل الأول ثم يقوم ثلثه ثم ينام سدس كما مضى. ويدل على ذلك: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي تقدم قريباً . المرتبة الثانية: أن يقوم في الثلث الآخر من الليل. ويدل عليها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ». متفق عليه , وكذلك حديث جابررضي الله عنه وسيأتي . فإن خاف ألا يقوم من آخر الليل فليصل في أوله أو في أي أجزاء الليل تيسر له وهذه هي المرتبة الثالثة. المرتبة الثالثة : أن يصلي أول الليل أو في الجزء الذي يتيسر له من الليل ويدل عليها : حديث جَابِرٍرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ خَافَ أَنْ لاَ يَقُومَ مِنْ آخِرِ الليْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ. فَإِنَّ صَلاَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ. وَذَلِكَ أَفَضَلُ». رواه مسلم . وأيضاًُ يُحمل عليه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر وأبي الدرداء وأبي هريرة , فكل واحد يقول أوصاني خليلي بثلاث وذكر منها " وأن أوتر قبل أن أنام ". 2- السنة أن يقوم بإحدى عشرة ركعة وهذا الأكمل لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ، عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. متفق عليه. وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاثة عشرة ركعة من حديث عائشة عند مسلم عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً , يُوتِرُ مِنْ ذلِكَ بِخَمْسٍ , لاَ يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ فِي آخِرِهَا. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه فَصَلَّى - النبي صلى الله عليه وسلم - فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. ثُمَّ نَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم متفق عليه. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة واختلف في الركعتين في روايات الثلاث عشرة : فقيل: هما سنة العشاء , وقيل: المراد بهما سنة الفجر , وقيل: هما ركعتان خفيفتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما صلاة الليل كما جاء في الحديث ورجحه ابن حجر في الفتح (3/21) والأظهر والله أعلم: أن هذا من باب تنوع الوتر فالغالب من وتره صلى الله عليه وسلم أنه كان يوتر بإحدى عشرة ركعة، وكان يوتر أحيانا بثلاث عشرة ركعة ، وبهذا نجمع بين الأحاديث الواردة. 3- من السنة أن يستفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين . لحديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللّه ِصلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ»رواه مسلم 4- من السنة أن يأتي بالاستفتاحات الواردة في صلاة الليل ومن ذلك : أ. ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: " كَانَ – أي النبي صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ , فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ , أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ , اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ».
| |
| | | عبد الفتاح احمد المدير العام للمنتدي
عدد المساهمات : 454 نقاط : 150998 العضوية : 0 12/04/2011 العمر : 39
| موضوع: رد: السنة النبوية اليومية للرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل أمور الحياة الخميس يونيو 02, 2011 11:41 pm | |
| ب. ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: « كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا تَهَجَّد من الليل قال: اللهم لك الحمد أنتَ نورُ السماوات والأرض، ولك الحمدُ أنت قيُّم السماواتِ والأرض، ولك الحمد أنت ربُّ السماوات والأرض ومن فيهنَّ، أنت الحقُّ، ووعدُك الحقُّ، وقولك الحقُّ، ولقاؤك الحقُّ، والنار حقٌّ والجنة حقٌّ، والنبيُّون حقٌّ، والساعة حقٌّ، اللهم لك أسلَمتُ وبك آمنتُ وعليك توكلتُ وإليك أنبتُ وبك خاصمتُ وإليك حاكمتُ اغفر لي ماقدمتُ وماأخَّرتُ وماأسررت وماأعلنتُ، أنت إلهي لاإله إلا أنتَ». 5- من السنة أن يطيل قيامه , وركوعه وسجوده فتكون جميع أركان الصلاة الفعلية قريبة من السواء . 6- أن يأتي بالسنن الواردة في قراءته , ومن ذلك : أ- أن يقرأ مترسلاً , والمقصود أنه لا يحدر أو يهذَّ القراءة هذَّاً . ب- أن يُقَطِّعَ قراءته آية آية , والمقصود أنه لا يَصِلُ آيتين أو ثلاث من دون توقف بل يقف عند كل آية . جـ- إذا مرَّ بآية تسبيح سبَّح , وإذا مرَّ بآية سؤال سأل , وإذا مرَّ بآية تعوِّذ تعوَّذ . ويدل على ذلك : حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ. فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى . فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ. فَمَضَى. فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا. ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا. ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا. يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً. إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبيحٌ سَبَّحَ. وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ. وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ. ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: « سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ » فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْواً مِنْ قِيامِهِ. ثُمَّ قَالَ: «سَمعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ» ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً. قَرِيباً مِمَّا رَكَعَ. ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى» فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيباً مِنْ قِيَامِهِ. رواه مسلم . ولما رواه أحمد في مسنده من حديث أم سلمة: أنها سُئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: كان يقطع قراءته آية آية: {بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين }. -قال ابن القيم في الهدي 1/ 337 : " وكان صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته، ويقف عند كل آية ... وكان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وقام بآية يرددها حتى الصباح " وقال (ص240): " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر بالقراءة في صلاة الليل تارة ويجهر بها تارة، ويطيل القيام، ويخففه تارة، ويوتر آخر الليل وهو الأكثر وأوله وأوسطه". 7- يسلم من كل ركعتين لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم «صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى. فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ ». متفق عليه. والمقصود بـ (مَثْنَى مَثْنَى) أي يصلي اثنتين اثنتين فيسلم من ركعتين ولا يصلي أربعاً جميعاً. ولحديث عَائِشَةَ الذي تقدم ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً . يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ . متفق عليه . 8- من السنة أن يقرأ في آخر ثلاث ركعات سور معينة يقرأ في الركعة الأولى ( سبح اسم ربك الأعلى ) وفي الثانية (قل يآأيها الكافرون) وفي الثالثة (قل هو الله احد ) فقط . ويدل على ذلك: حديث أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضي الله عنه ، قال: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبَّكَ الأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّها الكَافِرُوْن وَقُلْ هُوَ الله أَحَدْ ». أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه. 9-أن يقنت في وتره أحياناً - قال ابن القيم في زاد المعاد (1/276 ) : " فإن القنوت يطلق على القيام، والسكوت، ودوام العبادة، والدعاء، والتسبيح، والخشوع " والمقصود به هنا الدعاء وذلك في الركعة الثالثة التي يقرأ فيها سورة الإخلاص. والقنوت في الوتر من السنة فعله أحياناً وتركه أحياناً , واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، والأولى أن يكون الترك أكثر من الفعل. والتعليل: أنها قد جاءت أحاديث كثيرة تصف وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة وأم سلمة وابن عباس وحذيفة وابن مسعود وليس في شيء منها أنه قنت في الوتر، وعائشة من الملازمين للنبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم تنقل أنه قنت في وتره . مسألة: هل ثبت القنوت في الوتر من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله ؟ القول الأول: أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله. واستدلوا: 1. من فعله بحديث أبي بن كعبرضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر قبل الركوع "رواه أبو داود معلقاً والنسائي وابن ماجه. 2. ومن قوله حديث الحسن بن عليرضي الله عنه قال: «علمني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهنَّ في الوترِ: اللهمَّ اهدنيِ فيمنْ هَدَيْتَ وعَافِنِي فِيمَنْ عافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فيمَا أعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ ما قضيْتَ فَإِنكَ تَقْضِي ولا يُقْضَى عليكَ، وإنه لا يذِلُّ من واليْتَ، تباركتَ ربَّنا وتعاليْتَ» . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. والقول الثاني: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قنوت في الوتر لا من قوله ولا من فعله. وأما حديث أبي بن كعب السابق فهو حديث ضعيف ضعفه الإمام أحمد وابن خزيمة وابن المنذر. وأما حديث الحسن بن علي السابق فحديث صحيح إلا لفظة ( قنوت الوتر ) في الحديث فهي شاذة رواها أهل السنن من طريق أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن به، وأما الإمام أحمد فروى الحديث عن يحي بن سعيد عن شعبة حدثني بريد بن أبي مريم بلفظ " كان يعلمنا هذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت ... " وقالوا : أن هذا هو المحفوظ لأن شعبة أوثق من كل من رواه عن بريد فتقدم روايته على غيره. قال ابن خزيمة في صحيحه (2/ 152 ) وهذا الخبر رواه شعبة بن الحجاج عن بريد بن أبي مريم في قصة الدعاء، ولم يذكر القنوت ولا الوتر، قال: وشعبة أحفظ ..... ولو ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالقنوت في الوتر أو قنت في الوتر لم يجز عندي مخالفة خبر النبي صلى الله عليه وسلم ولست أعلمه ثابتاً " وقبله قال الإمام أحمد: " لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء .. " انظر التلخيص لابن حجر ( 2/18) وهذا القول هو الأظهر والله أعلم، إلا أنه ثبت عن الصحابة القنوت في الوتر، وسئل عطاء عن القنوت فقال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه. فقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما عند أحمد فيه داود والترمذي وقال: " حديث حسن " وثبت عن ابن عمر عند ابن أبي شيبة. - وهل القنوت يكون قبل الركوع أو بعد الركوع ؟ اختلف أهل العلم في ذلك وسبب الاختلاف أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء وقاسه أهل العلم على قنوت النوازل . فقيل: قبل الركوع، واستدلوا بما رواه عبدالرحمن بن أبزى قال: صليت خلف عمر بن الخطاب فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع: " اللهم إياك نعبد .... " رواه البيهقي. وقيل: بعد الركوع، واستدلوا بحديث أبي هريرة في الصحيحين: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه _ يعني من الركوع _ يقول سمع الله لمن حمده ، يدعو على رجال فيسميهم بأسمائهم ...." وأيضاً حديث أنس عند البخاري وفيه ( بعد الركوع ) والأظهر والله أعلم: أن الأمر في ذلك واسع فيجوز قبل الركوع وبعده في الركعة الأخيرة، وقد بوَّب البخاري [ باب القنوت قبل الركوع وبعده ] لكن القنوت بعد الركوع أكثر في الأحاديث النبوية كما نص على ذلك جماعة من أهل العلم فيُغلَّب على ما قبل الركوع قال الإمام أحمد: وبعد الركوع أحب إلي. [ انظر مسائل أحمد (1/100) ] ، ويكون هذا من باب تنوع السنة فتارة يقنت قبل الركوع وتارة بعده. - قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 23/100: " وأما القنوت، فالناس فيه طرفان ووسط: منهم من لا يرى القنوت إلا قبل الركوع، ومنهم من لا يراه إلا بعده، وأما فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره فيجوزون كلا الأمرين لمجيء السنة الصحيحة بهما، وإن اختاروا القنوت بعده لأنه أكثر وأقيس فإن سماع الدعاء مناسب لقول العبد: سمع الله لمن حمده، فإنه يشرع الثناء على الله قبل دعائه كما دلَّت فاتحة الكتاب على ذلك أولها ثناء وآخرها دعاء ". مسألة: وهل يرفع يديه في قنوت الوتر ؟ الصحيح : أنه يرفع يديه وبه قال جمهور العلماء ، لثبوت ذلك عن عمر رضي الله عنه كما عند البيهقي وصححه وقال البيهقي في السنن الكبرى ( 2/211) : " إن عدداً من الصحابة رضي الله عنهم رفعوا أيديهم في القنوت " مسألة: بأي شيء يبدأ قنوته في الوتر ؟ قيل: أنه يبدأ بالدعاء الذي علَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحسن " اللهم اهدني فيمن هديت " واستدلوا : بحديث الحسن السابق، وسبق بيان ذلك وأن الحديث صحيح بدون ذكر ( قنوت الوتر ) وأيضاً لو صحت هذه اللفظة فليس في الحديث استحباب ابتداء قنوت الوتر بدعاء الحسن . والقول الراجح والله أعلم: أنه يبدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو، لأن هذا أقرب للإجابة. ويدل على ذلك: حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: «سَمِعَ النبيُّ رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النبيِّصلى الله عليه وسلم فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ، فقالَ لَهُ ولِغَيْرِهِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ الله وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ليُصَلِّ عَلَى النبيِّ ثُمَّ ليَدْعُ بَعْدُ ما شَاءَ» . رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. قال ابن القيم في الوابل الصيب (110): " المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه بين يدي حاجته ثم يسأل حاجته كما في حديث فضالة بن عبيد ". مسألة: هل يمسح وجهه بيديه بعد دعاء القنوت الصحيح : أنه لا يُسنُّ مسح الوجه بعد الانتهاء من الدعاء , لعدم الدليل على ذلك . وأما قول عمر رضي الله عنه «كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ في الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ » . فهو حديث رواه الترمذي وهو حديث ضعيف لأن مداره على حماد بن عيسى الجهني، وهو ضعيف لا يحتج، وقد ضعف الحديث العراقي والنووي وابن الجوزي، وقال يحي بن معين وأبو زرعة حديث منكر، زاد أبو زرعة: أخاف ألا يكون له أصل. وله شاهد من حديث يزيد بن السائب رواه أبو داود وأحمد لكنه ضعيف لأن مداره على ابن لهيعة وهو ضعيف . فالسنة ترك المسح على الوجه بعد الدعاء ؛ لأنه لم يثبت فيه دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يصح عن الصحابة لا في قنوت الوتر ولا في غيره، لا داخل الصلاة ولا خارجها . - سئل الإمام مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء، فأنكر ذلك وقال: ما علمت [انظر كتاب الوتر للمروزي ص236] وقال المروزي: وأما أحمد بن حنبل فحدثني أبو داود قال: سمعت أحمد، وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ من الوتر، فقال: لم أسمع فيه بشيء، ورأيت أحمد لا يفعله " وقال البيهقي في السنن 2/212: " فأما مسح الوجه باليدين عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعض خارجها، وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعف، وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة، وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس، فالأولى ألا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة." قال شيخ الإسلام في الفتاوى 22/519: " وأما مسح وجهه بيديه فليس فيه إلا حديث أو حديثان لا تقوم بهما الحجة " 10 – الدعاء في ثلث الليل الآخر من السنن التي تتأكد آخر الليل الدعاء , فإن دعا في قنوته آخر الليل كفاه ذلك , وإن لم يدع فإن من السنن الدعاء في هذا الوقت لأنه وقت تتأكد فيه إجابة الدعاء , ففيه نزولاً لله جل وعلا يليق بجلاله إلى السماء الدنيا , فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينـزلُ ربُّنا تَبارَكَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا حين يَبقى ثلثُ الليل الآخر، فيقول: مَن يَدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطِيَه، من يستغفِرُني فأغفِرَ له؟». 11- يُسنُّ إذا سلَّم من وتره أن يقول ( سبحان الملك القدوس ) ثلاثاً يرفع صوته بالثالثة. ويدل على ذلك : حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِـ{( سبح اسم ربك الأعلى ) وفي الثانية (قل يآأيها الكافرون) وفي الثالثة (قل هو الله احد ) فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». رواه النسائي , وفي حديث عبد الرحمن بن أبزى عند أحمد والنسائي « وَيَرْفَعُ بِسُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ صَوْتَهُ بِالثَّالِثَةِ» . 12- يُسنُّ أن يوقظ أهله لقيام الليل فالرجل يُسنُّ له أن يوقظ أهله لصلاة الليل , وكذا المرأة إذا قامت فإنه يُسنُّ لها أن توقظ زوجها وسائر أهلها لذلك , وهذا من باب التعاون على الخير . ويدل على ذلك : حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلاَتَهُ مِنَ اللَّيْلِ كُلَّهَا، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ. متفق عليه . وعن أمَّ سلمةَ رضيَ الله عنها قالت: استَيقظ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: «سُبحانَ الله، ماذا أُنزِلَ منَ الخزائن وماذا أُنزِلَ منَ الفتن، من يُوقظُ صَواحبَ الحُجر ـ يريدُ به أزواجَهُ ـ حتى يُصلِّين. رُبَّ كاسِية في الدنيا عارية في الآخرة». رواه البخاري . وفي العشر الأواخر من رمضان يزداد هذا الشأن فعند مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ، إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر. 13- من السنَّة أن يفعل القائم لليل الأرفق لنفسه لئلا يؤثر على خشوعه - فإذا أصابه فتور صلى جالساً لحديث أَنَسٍرضي الله عنه ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ. وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ: «مَا هذَا؟» قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي. فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَالَ: «حُلُّوهُ. لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ. فَإِذَا كَسَلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ».متفق عليه. - وإذا أصابه نعاس نام ليقوم نشيطاً فيصلي بعد ذلك لحديث عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ. فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ». متفق عليه . - وكذا إذا أصابه نعاس ونحوه وهو يقرأ القرآن بالليل فإن السنة أن ينام ليتقوى لحديث أبي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، أن رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم َقَالَ : «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَلْيَضْطَجِعْ».رواه مسلم . 14- السنة لمن فاته قيام الليل أن يصليه من النهار شفعاً فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث فنام عن وتره أو مرض فلم يستطع أن يصليه فإنه يصليه من النهار أربعاً , وإذا كان من عادته أن يوتر بخمس فنام عن وتره أو مرض , فإنه يصليه من النهار ست ركعات , وهكذا , وقد كان النبي يفعل ذلك ولأنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يوتر بإحدى عشرة ركعة , فإن عائشة رضي الله عنها تقول عن النبي صلى الله عليه وسلم : " وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى من النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً " رواه مسلم ثانياً : وقت الفجر فيه عدة أعمال هي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم :- أ- الأذان وفيه عدة سنن : 1- متابعة المؤذِّن يُسن لمن سمع الأذان أن يقول مثل ما يقول المؤذِّن إلا في الحيعلتين فيقول ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) لحديث عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ...». رواه مسلم . وحديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللّهُ أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّهِ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ. قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ. قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله. ثُمَّ قَالَ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ. قَالَ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله. قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ».رواه مسلم . - قال ابن القيم في زاد المعاد 2/391 : " .... وهذا مقتضى الحكمة المطابقة لحال المؤذن والسامع فإن كلمات الأذان ذكر فسن للسامع أن يقولها ، وكلمة الحيعلة دعاء إلى الصلاة لمن سمعه فسن للسامع أن يستعين على هذه الدعوة بكلمة الإعانة وهي لاحول ولا قوة إلا بالله العظيم " . - عند التثويب لصلاة الفجر فإنه من تابع الأذان يقول مثل ما يقول المؤذن ( الصلاة خير من النوم ) قال الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه 2/135 : " قوله صلى الله عليه وسلم : " فقولوا مثل ما يقول " يدل على أنه يقول : الصلاة خير من النوم " - قال ابن حجر: عن ابن جريح أنه قال : حدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة . ( انظر الفتح , حديث ( 611 ) , باب ما يقول إذا سمع المنادي ) 2- قول هذا الذكر بعد الشهادتين يُسن أن يقال بعد ما يقول المؤذن ( أشهد أن محمداً رسول الله ) الثانية ما جاء في حديث سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِالله رَبَّاً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ» رواه مسلم . 3- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا الله لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفَاعَةُ» رواه مسلم . وأفضل أنواع الصلاة ، الصلاة الإبراهيمية " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم..." 4- قول الدعاء الوارد بعد الأذان لحديث جابررضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قال حِينَ يَسمعُ النِّداءَ : اللهمَّ ربَّ هذه الدعوةِ التامَّة والصَّلاةِ القائمةِ آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثْه مَقاماً محموداً الذي وَعدْتَه، حلَّتْ لهَ شَفاعَتِي يومَ القيامة». رواه البخاري . الوسيلة : وضحها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبدالله بن عمرورضي الله عنه السابق حيث قال : « ثُمَّ سَلُوا الله لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفَاعَةُ» والفضيلة : الرتبة العالية التي لا يشاركه فيها أحد . - قال الشيخ ابن عثيمين : " الدعوة التامة : هي الأذان ، لأنه دعوة ، ووصفها بالتامة ، لاشتمالها على تعظيم الله وتوحيده ، والشهادة بالرسالة ، والدعوة إلى الخير..... المقام المحمود يشمل كل مواقف يوم القيامة ، وأخصّ ذلك الشفاعة العظمى " [ انظر الشرح الممتع لشيخنا 2/ 87-88 ] 5 – الدعاء بعد الأذان لحديث عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو رضي الله عنه ، «أَنَّ رَجُلاً قال: يَارسولَ الله إِنَّ المُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : قُلْ كَمَا يَقُولُونَ فإِذَا انْتَهَيْتُ فَسَلْ تُعْطَهُ ». رواه أحمد وأبو داود ولحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الدُعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ لا يُرَدّ » رواه النسائي وصححه ابن خزيمة. فائدة : الخروج من المسجد بعد الأذان منهى عنه . ويدل على ذلك : ما رواه مسلم من حديث أَبِي الشَّعْثَاءِ ، قَالَ: كُنَّا قُعُوداً فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه . فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي. فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَرضي الله عنه : أَمَّا هَـذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم . ب- سنة الفجر وفيها عدة سنن : وسنة الفجر هي أول السنن الراتبة التي يعملها العبد في يومه , وفيها عدة سنن , وقبل بيان هذه السنن , لابد من بيان بعض ما يخص السنن الرواتب , والسنة الراتبة هي السنة الدائمة التابعة للفرائض . - اختُلف في عدد السنن الرواتب على قولين : القول الأول : أن عددها عشر ركعات: ركعتان قبل الفجر وركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء، وهذه العشر ركعات متفق عليها بين العلماء كما نقل ذلك ابن هبيرة في الإفصاح 1/151. واستدلوا: بحديث ابن عمر رضي الله عنه المتفق عليه , قال: «حَفِظتُ منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عشرَ رَكعاتٍ: رَكعتَينِ قبلَ الظُّهرِ، ورَكعتينِ بعدَها، ورَكعتَينِ بعدَ المغربِ في بيتِه ، ورَكعتَينِ بعدَ العِشاءِ في بيتِهِ، ورَكعتَينِ قبلَ صلاةِ الصبحِ وكانت ساعةً لا يُدخَلُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيها». والقول الثاني : أن عددها اثنتا عشرة ركعة وأن قبل صلاة الظهر أربع ركعات لا ركعتين , وهذا القول هو الأظهر والله أعلم . ويدل على ذلك: 1. حديث عائشة عند البخاري حيث قالت: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان لا يدَعُ أرَبعاً قبلَ الظُّهرِ ». وعند مسلم من حديثها قالت : « كَانَ – أي النبي صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعاً ». 2. حديث أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ». رواه مسلم، وأخرجه الترمذي،وزاد « أربعاً قبلَ الظهرِ، وركعتينِ بعدَها وركعتين بَعدَ المغربِ وركعتينِ بعدَ العِشاءِ، وركعتين قبلَ صلاة الفجر صلاة الغداة » وقال: "حسن صحيح ". واختلف أهل العلم في الجمع بين حديث ابن عمر المتفق وفيه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل الظهر ركعتين ) وبين حديث عائشة عند البخاري وفيه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل الظهر أربع ركعات ) فقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم تارة يصلي قبل الظهر أربعاً وتارة يصلي قبلها ركعتين. وقيل: إن مع تعارض الحديثين يؤخذ بالزائد ويصلي الإنسان أربع ركعات قبل الظهر. وقيل: إن صلى في بيته يصلي أربعاً لحديث عائشة وإن صلى في المسجد يصلي ركعتين لحديث ابن عمر. والأظهر والله أعلم: أنه يؤخذ بالزائد لحديث أم حبيبة عند مسلم: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (وفي رواية : غَيْرَ فَرِيضَةٍ ) ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ». - الأفضل أن تؤدى السنن الرواتب في البيت ويدل على ذلك: 1. حديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « صَلُّوْا أَيُّهَا النَّاسُ في بِيُوتِكُمْ، فَإنََّ أَفْضَلَ صَلاةِ المرْءِ في بَيْتهِ ، إِلا الصَّلاةَ المَكْتُوبَة». متفق عليه. 2. عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ , وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً ». متفق عليه. 3. عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيباً مِنْ صَلاَتِهِ. فَإِنَّ الله جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْراً » رواه مسلم. - آكد السنن الرواتب آكد السنن الرواتب سنة الفجر، ويدل على ذلك مايلي: 1. حديث عائشة رضي الله عنها قالت: « لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ، أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ، عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْح» متفق عليه. 2. حديث عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ، قَالَ: « رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». رواه مسلم , ولمسلمٍ أيضاً عن عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ، فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عَنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ «لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعاً». 3. جاء في الصحيحين ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع سنة الفجر ولا الوتر لا حضراً ولا سفراً. قال ابن القيم في الهدي 1/ 315 : " ولذلك لم يكن يدعها _ أي سنة الفجر _ هي والوتر سفراً وحضراً، وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى الله عليه وسلم صلى سنة راتبه غيرهما ". - سنة الفجر تختص بعدة أمور: أولاً: مشروعيتها في السفر والحضر كما سبق، أما غيرها من السنن الرواتب فالسنة تركها في السفر كراتبه الظهر والمغرب والعشاء . ثانياً: ثوابها بأنها خير من الدنيا وما فيها كما تقدم . ثالثاً: يسنُّ تخفيفها وتقدم دليل ذلك. ويدل على ذلك: حديث عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. فَيُخَفِّفُ حَتَّى إني أقول: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لاَ؟. متفق عليه. ولكن يُشترط ألا يكون هذا التخفيف مُخِلّاً بالواجب أو يُفضي إلى أن ينقر صلاته فيقع في المنهي عنه. رابعاً: أنه يسن أن يقرأ في سنة الفجر بعد الفاتحة في الركعة الأولى{ قل يآأيها الكافرون } وفي الثانية{ قل هو الله احد } أو يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى{ ( قولوا ءا منا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتي موسى وعيسى ومآ أوتي النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } البقرة: ١٣٦ وفي الثانية (( قل يــأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولايتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) } [ آل عمران: ٦٤]، وهذه من السنن التي وردت على وجوه متنوعة فمرة يأتي بهذه ومرة بهذه. ويدل على ذلك: 1. حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر:{قل يآ أيها الكافرون } و{ قل هو الله احد }رواه مسلم. 2.حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما:{ قولوا ءا منا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} التي في البقرة، وفي الآخرة منهما:{ فلمآ أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى~ إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون }[آل عمران:٥٢] رواه مسلم وفي رواية عند مسلم أيضاً عن ابن عباس أن في الركعة الثانية{ قل يــآ أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم }[آل عمران:64]. خامساً: يسن الاضطجاع على الشق الأيمن بعد سنة الفجر ويدل على ذلك: 1. حديث عائشة : « كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى رَكعتَي الفَجرِ اضْطَجَعَ على شِقِّهِ الأيمنِ ». متفق عليه. 2. حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ : « كَانَ النَِّيُّ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً، حَدَّثَنِي وَإِلاّ اضْطَجَعَ » رواه مسلم. - واختُلف في هذا الاضطجاع. فقيل: أن الاضطجاع بعد سنة الفجر مسنون ، وبه قال أكثر أهل العلم. لحديث عائشة السابق وأيضاً ممن كان يفعل ذلك ويفتي به من الصحابة : أبو موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة وبه قال ابن سرين وعروة وبقية الفقهاء السبعة. وقيل: سنة لمن يقوم ويطيل القيام بالليل ليستريح بهذا الاضطجاع واختاره شيخ الإسلام بن تيمية. وقيل: واجب ، وقيل: بدعة، وقيل غير ذلك والقول الأول هو الأظهر والله أعلم. - الأفضل في صلاة الفجر تعجيلها بأن تُصلى بِغلس ( أي بالظلمة) في أول وقتها وبه قال الجمهور. ويدل على ذلك : 1- حديث عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ نِسَاءٌ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ الْفَجْرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ. ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ وَمَا يُعْرَفْنَ. مِنْ تَغْلِيسِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلاَةِ. متفق عليه . 2- حديث جابر " أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كانَ يُصَلِّيْ الصُبْحَ بِغَلَسْ . متفق عليه . - وأما حديث رافع بن خديج مرفوعاً «أَسْفِرُوا بِالفَجْرِ، فإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأجْرِ » رواه أحمد والترمذي وصححه. فقيل : أن المراد بذلك إطالة القراءة حتى يخرج منها بعد الإسفار . وقيل : إنه منسوخ . وقيل : أن المراد تأخيرها حتى يتبين ويتأكد من طلوع الفجر فلا يشك فيه . [يقال : أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته وأظهرته ]. جـ- الذهاب إلى المسجد وفيه عدة سنن : وبما أن صلاة الفجر هي أول صلاة في اليوم يذهب فيها الرجل للمسجد فإن للذهاب إلى المسجد أمور يُسنُّ أن يأتي بها: 1- يسنُّ التبكير بالذهاب إلى المسجد لحديث أبي هريرةرضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ». متفق عليه , والتهجير : هو التبكير للصلاة . وكان السلف يحرصون على التبكير للصلاة : عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : " ما أذَّن المؤذِّن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد " رواه أبن أبي شيبة ، وقال أيضاً " ما سمعت تأذيناً في أهلي منذ ثلاثين سنة " ذكره ابن سعد في الطبقات 2- أن يخرج من بيته متطهراً لتكتب خطاه لحديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ، بِضْعاً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. وَذلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ. لاَ يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ. لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ. فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ. وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ. حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ. فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلاَةِ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ هِيَ تَحْبِسُهُ. وَالْمَلاَئِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ. يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ. اللّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ. مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ. مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ». متفق عليه . 3- أن يخرج إلى الصلاة بسكينة ووقار لحديث أبي هريرةَرضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سَمعتُمُ الإِقامةَ فامشوا إلى الصلاةِ وعليكم بالسَّكينةِ والوَقارِ، ولا تُسْرِعوا ، فما أدرَكتُم فصلُّوا، وما فاتَكم فأتموا». متفق عليه . 2 – وعن أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ: «إِذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاَةِ فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ. وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ. فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاَةِ فَهُوَ فِي صَلاَةٍ». رواه مسلم. - قال النووي : " ... السكينة : التأني في الحركات واجتناب العبث ، والوقار : في الهيئة كغض الطرف وخفض الصوت وعدم الالتفات " ( أنظر شرحه لمسلم , حديث (602) , باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعياً ) 4- أن يقول عند خروجه من بيته ما ورد . وهو :- - ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباسرضي الله عنه وفيه : فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ – أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصَلاَةِ . وَهُوَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي لِسَانِي نُوراً، وَاجْعَل فِي سَمْعِي نُوراً، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُوراً، وَمِنْ أَمَامِي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً. اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُوراً» رواه مسلم . 5- تقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد وتقديم اليسرى عند الخروج منه لحديث أنس رضي الله عنه أنه قال : من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى ، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى " رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم . ولورود ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما , قال البخاري في صحيحه : " باب التيمن في دخول المسجد وغيره , وكان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى , فإذا خرج بدأ برجله اليسرى " ولحديث عائشة : كَانَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. متفق عليه . ولأن القاعدة : أن ما كان من باب التكريم استحب فيه تقديم اليمين ، وما كان بضد اليمين استحب فيه تقديم اليسار ، وما عدا ذلك فالأصل فيه تقديم اليمين . 6- أن يقول الذكر الوارد عند دخول المسجد وعند الخروج منه لحديث أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ أَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلِ: اللّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ. وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ». رواه مسلم . 7- أن يصلي ركعتين تحية للمسجد وهذا إذا جاء مبكراً للصلاة فإنه يُسن له ألا يجلس حتى يصلي ركعتين لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم «إذا دَخَلَ أحَدُكُم المسجدَ فلا يَجلِسْ حتّى يُصلِّيَ رَكعتَينِ». متفق عليه . ويكفي عن تحية المسجد السنة القبلية للصلاة إن كان لها سنة قبلية كالفجر والظهر , أو سنة الضحى إن دخل المسجد ضحى , أو الوتر إن صلاه في المسجد , أو الفرض , لأن المقصود من تحية المسجد ألا يجلس حتى يصلي , لما في ذلك من عمارة المساجد بالصلاة لئلا يرتادها من غير صلاة . 8- يسن للرجال المبادرة إلى الصف الأول فهو أفضل الصفوف وللنساء أفضلها آخرها . لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا». رواه مسلم ، [ خيرها : أي أكثرها ثواباً وفضلاً ، وشرها : أي أقلها ثواباً وفضلاً ] وهذا الحديث فيما إذا صلى الرجال والنساء جماعة وليس بينهما حائل من جدار ونحوه فتكون خير صفوف النساء آخرها ؛ لأنه أسترُ لهن عن أعين الرجال ، وأما إذا كان بينهما حائل كجدار ونحوه , أو كما يكون في كثير من مساجدنا اليوم بأن يُخصص للنساء مصلى مستقل ففي هذه الحالة تكون أفضل صفوف النساء أولها ؛ لانتفاء علة القرب من الرجال ؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدما ، ولعموم فضل الصف الأول في أحاديث منها . حديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: « لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّل، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا. وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ - أي العشاء- وَالصُّبْحِ، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً » متفق عليه . وحديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه , وفيه قال : خَرَجَ عَلَيْنَا – أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ. وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ». رواه مسلم , ويؤخذ من هذا الحديث أيضاً سنية التراص في الصف . - قال النووي في المجموع ( 4/192- 193 ) : " يستحب الصف الأول ، ثم الذي يليه ، ثم الذي يليه إلى آخرها ; وهذا الحكم مستمر في صفوف الرجال بكل حال ، وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن عن جماعة الرجال أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة وليس بينهما حائل فأفضل صفوف النساء آخرها لحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرها أولها ) رواه مسلم" . 9- يسن للمأموم أن يكون قريباً من إمامه فالأفضل في حق المأموم من حيث اصطفافه للصلاة الصف الأول كما تقدَّم ثم يحرص أن يكون قريباً من الإمام فالأقرب من الجهتين اليمنى أو اليسرى هو الأفضل . ويدل على ذلك : حديث عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «ليَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى ». فقوله ليلني ( أي ليقترب مني ) وفي هذا دليل على أن القرب من الإمام مطلوب في أي جهة كان . قال في الفروع (1/407 ) : " ويتوجه احتمال أن بُعْدَ يمينه ليس أفضل من قُرْب يساره ". نسأل الله أن يجعلنا من المتبعين للكتاب والسنة , المبتعدين والنابذين للبدعة إنه ولي ذلك والقادر عليه . ما تقدَّم بيانه هي سنن تسبق الصلاة بالإضافة إلى سنن الأذان وفي الصلاة سنن كثيرة نبيِّن أكثرها . د - سنن في الصلاة للصلاة عدة سنن يحسن بالمصلي أن يحرص عليها فمن ازداد عملاً ازداد أجراً ولا يظلم ربك أحدا , وبمثل هذه السنن تكون المفارقة بين شخصين يدخلان الصلاة في وقت واحد , ويخرجان في وقت واحد لكن ما بينهما في الأجر والثواب فرق شاسع ؛ لأن أحدهما يأتي بالسنن مع الأركان والواجبات , والآخر اكتفى بالأركان والواجبات , وللصلاة سنن عديدة نذكر منها ما يلي : أ- السترة ويسنُّ فيها ما يلي : 1- يسنُّ اتخاذ السترة والسترة سنة للإمام والمنفرد , وأما المأموم فسترة الإمام سترة له , فاتخاذ السترة سنة . لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً وفيه : «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ....». متفق عليه , والأحاديث في سنية السترة كثيرة فقد استتر النبي بالسرير , والجدار , والجذع , والخشبة , والحربة , والعَنَزَة , والراحلة , وغير ذلك. والسترة مشروعة في العمران والفضاء في الحضر والسفر سواءً خشي ماراً أولم يخش ؛ لأن الأحاديث لم تفرق بين العمران والفضاء ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستتر في حضره وسفره كما في حديث أبي جحيفة المتفق عليه . 2- ويسنُّ الدنو من السترة وإذا دنى من السترة فإن السنة أن يكون بين موضع سجوده وبين السترة قدر ممر الشاة . لحديث سَهْلِ ابْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّرضي الله عنه ، قَالَ: « كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ. » متفق عليه , والمقصود بالمُصلَّى هو موضع سجوده صلى الله عليه وسلم , وجاء عند أحمد وأبي داود أن بينه وبين السترة ثلاثة أذرع وهذا باعتباره إذا وقف يكون بينهما كذلك . 3- يسنُّ ردُّ المار بين يدي المصلي لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أحد أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ. فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ». متفق عليه . وحديث عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلاَ يَدَعْ أَحَداً يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ». رواه مسلم . وأما إذا كان المار بين يدي المصلي امرأة , أو كلب أسود , أو حمار فإنه يجب دفعه على الصحيح لأنها تقطع الصلاة كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه عند مسلم , بخلاف غيرها فإنه لا يقطع الصلاة . - قال ابن عثيمين في الممتع 3/245 : " ويحتمل أن يقال : يفرق بين المار الذي يقطع الصلاة مروره ، والمارّ الذي لا يقطع الصلاة مروره ، فالذي يقطع الصلاة يجب ردّه ، والذي لا يقطع الصلاة مروره لا يجب ردّه ، لأن غاية ما يحصل منه أن تنقص الصلاة ولا تبطل ، بخلاف الذي يقطع الصلاة مروره ، فإنه سوف يبطل صلاتك ويفسدها عليك " . - ليس لقرن المرأة مع الكلب الأسود و الحمار علة جامعة بينها والله أعلم وإنما لكل واحدة علة , ففي المرأة فتنة وانشغال لقلب المصلي , ولغيرها النجاسة وكونه شيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " الكلب الأسود شيطان " وقيل غير ذلك والله أعلم , ولله تعالى حكمة تخفى على العبيد , وللعبيد الانقياد والتسليم . - يسن التسوك عند كل صلاة وهذا هو الموضع الثالث من المواضع التي يتأكد معها السواك . ويدل على ذلك : حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشُقَّ عَلَى أُمَّتي لأمرتهم بالسواكِ مع كلّ صلاة». رواه البخاري . ب- أثناء القيام يُسنُّ ما يلي : 1- رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام لحديث ابن عمر رضي الله عنه : « أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَرْفَعُ يديه حَذْوَ مَنكِبيهِ إذا افتَتحَ الصلاةَ ، وإذا كَبَّرَ للرُّكوعِ، وإذا رَفعَ رأْسَهُ منَ الرُّكوعِ رفَعَهما أَيضاً وقال: سَمعَ اللّهُ لمن حَمِده ربَّنا ولكَ الحمدُ، وكان لا يَفعلُ ذلكَ في السُّجودِ». متفق عليه . قال في الإفصاح 1/123 : " وأجمعوا على أن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام سنة ، وليس بواجب " وهذا هو الموضع الأول من المواضع التي ترفع فيها اليدين عند التكبير وهو محل اتفاق عند العلماء والبقية محل خلاف عند العلماء , ومواضع رفع اليدين التي وردت بها النصوص أربعة مواضع [عند تكبيرة الإحرام , وعند الركوع , وعند الرفع منه وهذه الثلاثة ثابتة في الصحيحين عن ابن عمر كما تقدَّم , والموضع الرابع : عند القيام من التشهد الأول , وهذا ثابت عن ابن عمر أيضاً في صحيح البخاري ] 2- يسنُّ عند رفع اليدين أن تكون الأصابع ممدودة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : «كَان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاةِ رَفعَ يديْه مَدًّا » رواه أحمد وأبو داود والترمذي. 3- يُسنُّ أن يكون رفع اليدين إلى الموضع المسنون وجاءت النصوص بوجهين عن النبي في حد رفع اليدين , فقد جاء حذو المنكبين في الصحيحين عن ابن عمر , وجاء حذو فروع الأذنين ( أي حذو عوالي الأذنين ) عند مسلم من حديث مالك بن الحويرث , فيُنوِّع المصلي تارة يفعل هذه وتارة هذه . 4- يسنُّ للمصلي بعد تكبيرة الإحرام أن يضع يده اليمنى على اليسرى وهذا بإجماع أهل العلم , كما نقله ابن هبيرة في الإفصاح ( 1/124 ) 5- يُسنُّ أن يقبض بيده اليمنى اليد اليسرى . وفي صفة وضع اليد اليمنى على اليسرى وجهان يستحب للمصلي أن ينوِّع بينهما : يضع يده اليمنى على يده اليسرى لحديث وائل بن حجر قال : «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ قَائِما فِي الصَّلاةِ قَبَضَ بِـيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ». رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني . والصفة الثانية : أن يضع اليد اليمنى على الذر
| |
| | | عبد الفتاح احمد المدير العام للمنتدي
عدد المساهمات : 454 نقاط : 150998 العضوية : 0 12/04/2011 العمر : 39
| موضوع: رد: السنة النبوية اليومية للرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل أمور الحياة الخميس يونيو 02, 2011 11:58 pm | |
| والصفة الثانية : أن يضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى لحديث سهل بن سعد قال : «كان الناسُ يُؤْمَرونَ أن يَضعَ الرَّجلُ اليدَ اليمنى علَى ذِراعهِ اليُسرَى في الصلاةِ. » رواه البخاري . فهو مرة يضعها على اليد ومرة على الذراع لينوِّع في تطبيق السنة. 6- يسنُّ أن يقول دعاء الاستفتاح ولدعاء الاستفتاح عدة صيغ يستحب أن ينوِّع بينها فمرة يأتي بهذه الصيغة ومرة بهذه , ومما ورد : - « سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ. وَلاَ إِلهَ غَيْرُكَ » رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي سعيد , وجاء عند مسلم أن عمر كان يجهر به ليعلمه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين . - « الْحَمْدُ للّهِ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ " وفي فضله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكاً يَبْتَدِرُونَهَا. أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا» رواه مسلم من حديث أنس . - « اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ. اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ». متفق عليه من حديث أبي هريرةرضي الله عنه . - « اللّهُ أَكْبَرُ كَبِيراً. وَالْحَمْدُ للّهِ كَثِيراً. وَسُبْحَانَ اللّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. » وفي فضله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عَجِبْتُ لَهَا. فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ». رواه مسلم من حديث ابن عمر صلى الله عليه وسلم , وهناك أدعية أخرى تقدَّم بعض منها في سنن قيام الليل. 7- الاستعاذة والاستعاذة سنة , ويسنُّ أن ينوِّع في صيغ الاستعاذة فمرة يأتي بهذه ومرة هذه ومما ورد : - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهي الصفة التي اختارها جمهور العلماء لقوله تعالى : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " [النحل : 98] - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم لقوله تعالى : " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فأستعذ بالله أنه هو السميع العليم "[فصلت : 36] 8- البسملة فمن السنة أن يبسمل بعد الاستعاذة فيقول ( بسم الله الرحمن الرحيم ) , لحديث نُعَيْم المُجْمِر قال : « صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَقَرَأَ: بسم الله الرحمن الرحيم ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ القُرْآن ... وفيه : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأَشْبَهُكُمْ صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم » رواه النسائي وابن خزيمة وصححه , والصارف عن الوجوب أيضاً أن النبيصلى الله عليه وسلم لم يعلِّمها المسيء في صلاته وإنما أرشده إلى فاتحة الكتاب كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه . 9- التأمين مع الإمام وذلك إذا قرأ الإمام الفاتحة في الجهرية فإن من السنة أن يؤمِّن المأموم إذا أمَّن الإمام لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه . والتأمين : أن يقول ( آمين ) ومعناها : استجب . 10- قراءة السورة التي بعد الفاتحة فقراءتها سنة في الركعتين الأولى والثانية وهو قول جمهور العلماء , لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ في الرَّكعَتين الأولَيَيْنِ من صلاةِ الظهرِ بفاتحةِ الكتاب وسورَتَين يُطوِّلُ في الأولى ويُقصِّرُ في الثانية » متفق عليه. وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» متفق عليه , يُفْهَم منه جواز الاكتفاء بالفاتحة عما بعدها من القراءة , وأما المأموم في الصلاة الجهرية لا يقرأ السورة التي بعد الفاتحة بل يستمع لإمامه . قال ابن قدامة في المغني : " لا نعلم خلافاً في أنه يسن قراءة سورة مع الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة " جـ- أثناء الركوع يُسنُّ ما يلي : 1- يسنُّ وضع اليدين على الركبتين كالقابض عليهما ويُفرِّج الأصابع لحديث أبي حميد قال : «أنا كنتُ أَحفَظَكم لصلاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، رأيتُه إِذا كبَّرَ جعلَ يدَيهِ حِذاء مَنكِبَيْهِ، وإِذا ركعَ أَمكَنَ يدَيهِ من ركبتَيهِ، ثمَّ هَصَرَ ظهرَهُ... » رواه البخاري ، وفي حديث أبي مسعود : « وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعَهُ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ ... » رواه أحمد وأبو داود والنسائي . 2- يسنُّ للراكع أن يمد ظهره مستوياً لحديث أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وإِذا ركعَ أَمكَنَ يدَيهِ من ركبتَيهِ، ثمَّ هَصَرَ ظهرَهُ ... » رواه البخاري ، و" هَصَرَ ظهرَهُ " : أي ثناه في استواء من غير تقويس , وكذلك يُسنُّ أن يكون رأسه على مستوى رأسه فلا يرفعه ولا يخفضه لحديث عائشة عند مسلم , وفيه قالت في وصف ركوع النبي صلى الله عليه وسلم : « وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ. وَلكِنْ بَيْنَ ذلِكَ ... » , و( يُشْخص) : بضم الياء وإسكان الشين : أي لم يرفعه ، ( ولم يُصَوِّبه ) بضم الياء وفتح الصاد: أي لم يخفضه خفضاً بليغاً . 3- يسن للمصلي عند الركوع أن يجافي مرفقيه عن جنبيه أي يباعد يديه عن جنبيه لحديث أبي مسعود رضي الله عنه السابق وفيه : « ثُمَّ رَكَعَ وَجَافَى يَدَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعَهُ... وقال : هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي» رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، والمجافاة هي المباعدة ، لكن هذا مشروط فيما إذا لم يؤذ من كان بجانبه فإنه لا ينبغي للمصلي أن يفعل سنة يؤذي بها غيره من المصلين. قال النووي عن المجافاة : " ولا أعلم في استحبابها خلافاً لأحد من العلماء . وقد نقل الترمذي استحبابها في الركوع والسجود عن أهل العلم مطلقاً " 4- يسنُّ أن يأتي بالأذكار الواردة في الركوع فيسنُّ للراكع أن يأتي مع ( سبحان ربي العظيم ) أذكاراً أخرى وردت في الركوع , ومما ورد : - «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» متفق عليه من حديث عائشة . - «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ» رواه مسلم من حديث عائشة . - «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ , وَبِكَ آمَنْتُ , وَلَكَ أَسْلَمْتُ , خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي , وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي». رواه مسلم عن علي . - «سبحانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكوتِ وَالكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ» رواه أحمد أبو داود والنسائي عن عوف بن مالك . فيسنُّ أن يأتي بما يستطيع من هذه الأذكار في ركوعه , والسنَّة أن يُعظِّمَ الله تعالى في ركوعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباسرضي الله عنه عند مسلم : « وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ » , والأفضل أن يلتزم بما ورد عن النبيصلى الله عليه وسلم من الألفاظ التي تقدم ذكرها . د- الرفع من الركوع فيه عدة سنن : 1- تطويل هذا الركن لحديث ثابت البناني عن أنسرضي الله عنه أنه قال : « إِنِّي لاَ آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا. قَالَ: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئاً لاَ أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ. كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ انْتَصَبَ قَائِماً. حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ. وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ مَكَثَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ » متفق عليه . [ لا آلو : أي لا أُقصِّر ] 2- التنويع في صيغ " ربنا ولك الحمد " بين ما يلي : - « اللهم ربنا ولك الحمد » أخرجها البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه . - « اللهم ربنا لك الحمد » متفق عليها عن أبي هريرة رضي الله عنه - « ربنا ولك الحمد » متفق عليها عن عائشة . - « ربنا لك الحمد » أخرجها البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه . فمرة يأتي بهذه ومرة يأتي بهذه . 3- يسنُّ أن يأتي بالأذكار الواردة بعد الرفع من الركوع ومن الأذكار التي تشرع بعد الرفع من الركوع ما يلي :- - «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ. أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ. أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ. وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ. اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ». والحديث رواه مسلم من حديث أبي سعيد. – « الْحَمْدُ للّهِ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ » قال النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا اللفظ : «لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكاً يَبْتَدِرُونَهَا. أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا». والحديث مسلم من حديث أنس رضي الله عنه ورواه البخاري من حديث رفاعة بن رافع . . - « اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ. اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ ». وهذه الزيادة جاءت في حديث عبدالله بن أَبِي أَوْفَى عند مسلم ، وإذا أتى المسلم بهذه الأذكار استطاع أن يطيل هذه الركن . د- السجود فيه عدة سنن : 1-- يسن للساجد أن يجافي عضديه عن جنبه وبطنه عن فخذيه لحديث عبدالله بن بحينة رضي الله عنه : « أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ ، إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ » متفق عليه ، وحديث ميمونة قالت : قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ، لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ » رواه مسلم وفي هذا المبالغة في التفريج بين اليدين . و البَهْمَة واحدة البَهَم ، وهي أولاد الغنم من الذكور والإناث , فالسنة التفريج بين اليدين ما لم يكن في ذلك أذية لمن حوله كما مضى في المجافاة فى الركوع. ومن السنة أيضاً إذا سجد المصلي أن يفرج بين فخذيه فلا يجمعمها وأن لا يحمل بطنه على فخذيه بل يباعد فخذيه عن بطنه , لحديث أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم : « وَإِذَا سجد فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْء مِنْ فَخِذَيْهِ» رواه أبو داود , قال الشوكاني في نيل الأوطار 2/257 : " والحديث يدل على مشروعية التفريج بين الفخذين في السجود ، ورفع البطن عنهما ، ولا خلاف في ذلك " . 2- يسن للساجد أن يستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة لحديث أبي حميد أنه قال : " أنا أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه : « فإذا سَجدَ وضعَ يدَيهِ غيرَ مُفتَرِشٍ ولا قابضِهما، واستقبَلَ بأَطرافِ أصابعِ رجلَيهِ القِبلةَ » رواه البخاري . وأما أصابع اليدين أثناء السجود فالسنَّة أن تكون مضمومة ويجعل يديه مستقبلة القبلة لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه في موطأ الإمام مالك , وأيضاً في مصنف ابن أبي شيبة عن حفص بن عاصم قال : « من السنة في الصلاة أن يبسط كفيه ويضم أصابعه , ونوجههما مع جهة القبلة » 3- يسنُّ أن يأتي بالأذكار الواردة في السجود فيسنُّ للراكع أن يأتي مع ( سبحان ربي الأعلى ) أذكاراً أخرى وردت في الركوع , ومما ورد : - «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» متفق عليه من حديث عائشة . - « سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ » رواه مسلم من حديث عائشة . - « اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ. وَبِكَ آمَنْتُ . وَلَكَ أَسْلَمْتُ. سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ. تَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ » رواه مسلم من حديث علي . - « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ » رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . - « اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ. وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ. لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ. أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ». رواه مسلم من حديث عائشة . فيسنُّ أن يأتي بما يستطيع من هذه الأذكار في سجوده وينوِّع بينها , ومعلوم أن الواجب في الركوع سبحان ربي العظيم مرة واحدة وما زاد فهو سنة , وكذا في السجود الواجب قول (سبحان ربي الأعلى ) مرة واحدة وأما الثانية والثالثة فسنة . 4- يسنُّ الإكثار من الدعاء في السجود لأن السجود أقرب موضع يكون العبد فيه قريباً من ربه فيسنُّ أن يكثر الدعاء فيه , لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه عند مسلم : « وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ. فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» و (قَمِنٌ ) أي حريٌّ أن يستجاب له . هـ- من السنن في الجلسة بين السجدتين 1- من السنة أن يفرش المصلي رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى لحديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه مرفوعاً وفيه : « فإِذا جَلسَ في الرَّكعتَين جلسَ عَلَى رجلهِ اليسرَى ونصبَ اليمنى » رواه البخاري . 2- تطويل هذا الركن لحديث ثابت البُناني وقد تقدم . - يسنُّ لمن أراد القيام إلى أي ركعة ثانية أو رابعة أن يجلس يسيراً قبل أن يقوم وهذه تسمى جلسة الاستراحة وليس لها ذكر معيَّن , وجاء ثبوتها في ثلاثة أحاديث منها حديث مالك بن الحويرث «أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي، فإذا كان في وترٍ من صلاتهِ لم يَنهضْ حتى يَستَوِيَ قاعداً». رواه البخاري , ومالك بن الحويرث هو الذي نقل قول النبي صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ " رواه البخاري . قوله ( فإذا كان في وتر من صلاته ) أي كان في الركعة الأولى أو الثالثة (لم ينهض ) أي للركعة الثانية أو الرابعة (حتى يستوي قاعداً ) واختُلِف في سنية جلسة الاستراحة , والصواب أنها سنة مطلقاً لحديث مالك , وممن رجح سنيَّتها مطلقاً النووي والشوكاني وابن باز والألباني واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. وقال النووي : " وهذا هو الصواب الذي ثبتت فيه الأحاديث الصحيحة " و- من السنن في التشهد : 1- يسن أن يفترش المصلي رجله اليسرى في التشهد وينصب اليمنى وهذه الصفة يفعلها المصلي بعدما يصلي الثانية بركوعها وسجودها وقيامها وقعودها ، سواء كان في صلاة رباعية أو ثلاثية أو ثنائية , فأي ركعة ثانية في الجلوس في تشهدها على هذه الصفة . لحديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه مرفوعاً وفيه : « فإِذا جَلسَ في الرَّكعتَين جلسَ عَلَى رجلهِ اليسرَى ونصبَ اليمنى » رواه البخاري , وحديث عائشة : « وَكَانَ يَقُولُ، فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفرشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى» رواه مسلم , وأما التشهد الأخير في الصلاة الرباعية والثلاثية فسيأتي بيان صفته . 2- السنة أن ينوِّع في وضع اليدين حال التشهد ووضع الكفين حال التشهد له صفتان : الأولى : أن يضع اليدين على الفخذين . الصفة الثانية : أن يضع اليدين على الركبتين , وذلك بأن يُلْقِمَ يده اليسرى ركبته اليسرى . وأما اليمنى فيشير بها كما سيأتي بيانه وأما اليسرى فهي مبسوطة دائماً. لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : « كَانَ – أي النبي صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلاَةِ، وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى. وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا. وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ. وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى » رواه مسلم , وفي رواية « وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ » رواه مسلم . 3- السنة أن ينوِّع في كيفية وضع الأصابع حال التشهد ووضع الأصابع حال التشهد له صفتان : الصفة الأولى : أن يقبض أصابع كفه اليمنى كلها ، ويشير بإصبعه السبابة واليسرى تكون مبسوطة . لحديث ابن عمر رضي الله عنه السابق « ...قَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا. وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ... » رواه مسلم . الصفة الثانية : أن يعقد ثلاثاً وخمسين بأن يقبض الخنصر والبنصر ، ويحلق الإبهام مع الوسطى ، ويشير بالسبابة وأما اليسرى فتكون مبسوطة . لحديث ابن عمر رضي الله عنه السابق في رواية « كَانَ – أي النبي صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَعَدَ فِي التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى. وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى. وَعَقَدَ ثَلاَثَةً وَخَمْسِينَ. وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. » رواه مسلم . 4- السنة أن ينوِّع المصلي بين صيغ التشهد فيفعل هذه الصيغة تارة وهذه تارة , ومما ورد : - « التحيّات للّهِ والصلواتُ والطيِّبات: السلامُ عليكَ أَيُّها النبيُّ وَرحمةُ اللهِ وَبرَكاتهُ، السلامَ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحين , أَشهدُ أن لا إلهَ إلاّ اللهُ، وأشهَدُ أَنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُه». متفق عليه عن ابن مسعود . - «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لله , السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ...». ثم يكمل كما سبق , رواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه . - « التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لله. السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ...» ثم يكمل كما سبق , رواه مسلم من حديث أبي موسى , فيسنُّ أن ينوع فيأتي بهذا تارة وبهذا تارة , كما هي القاعدة في السنن الواردة على صيغ متنوعة . 5- السنة أن يجلس المصلي في التشهد الأخير مُتَوَرِّكاً في الصلاة الثلاثية والرباعية والمقصود أن يقعد في التشهد الأخير إذا كانت الصلاة رباعية أو ثلاثية على مقعدته فيقعد على الورك الأيسر , والتورك ورد على أكثر من وجه فيستحب التنويع حينئذ , ومما ورد : - أن يفرش رجله اليسرى ويخرجها من الجانب الأيمن وينصب اليمنى ويجعل مقعدته على الأرض . وهذه الصفة رواها البخاري عن أبي حميد الساعدي . - أن يفرش القدمين جميعاً ، ويخرجهما من الجانب الأيمن ، ويجعل مقعدته على الأرض . وهذه الصفة رواها أبو داود وابن حبان والبيهقي عن أبي حميد الساعدي وصححها الألباني . وليُعلم أن التورك على الصحيح ليس في كل تشهدٍ أخير , وإنما في التشهد الأخير في الصلاة الثلاثية والرباعية دون الثنائية. 6- السنة أن ينوِّع المصلي بين صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد وردت عدة صيغ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فالسنة أن ينوِّع بينها ومما ورد : - « اللّهمَّ صل على محمدٍ وعَلَى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إِبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنكَ حَميدٌ مَجيد، اللّهمَّ بارك على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إِبراهيم وعلى آلِ إبراهيمَ إِنَّكَ حَميدٌ مَجيد». رواه البخاري من حديث كعب بن عجرة أيضاً . _ « اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. فِي الْعَالَمِينَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ». رواه مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري . - « اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ. كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ. كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه من حديث أبي حميد الساعدي . 7- - يسنُّ يستعيذ المصلي من أربع قبل أن يسلِّم وهو قول جمهور العلماء , لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ. فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ. وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ». رواه مسلم وهو في الصحيحين من حديث عائشة . وهناك أدعية أخرى وردت في السنة يسنُّ للمصلي أن ينوِّع في الإتيان بها قبل السلام , ومما ورد : - «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ من المأْثَمِ والمغْرَمِ» متفق عليه . _ « اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَأَعَوْذَ بِكَ مِنَ النَّارِ " رواه أبوداود. - « اللّهمَّ إِني ظَلمتُ نفسي ظلماً كثيراً، ولا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلاّ أنتَ، فاغفِرْ لي مَغفِرةً من عِندكَ، وارحمني إِنك أَنتَ الغفور الرَّحيم». متفق عليه . - « اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ». رواه أحمد وأبوداود والنسائي . - « اللهمَّ إني أعوذُ بك منَ البُخلِ ، وأعوذ بكَ منَ الجبن، وأعوذ بك من أن نُرَدَّ إلى أرذلِ العُمرِ، وأعوذ بك من فتنةِ الدُّنيا وعذابِ القبر » رواه البخاري . - «اللهمَّ حاسِبْني حِساباً يَسِيراً » رواه أحمد . ثم يُسلِّم ملتفتاً في سلامه , والتفاته في الصلاة سنة , والمبالغة في الالتفات سنَّة أيضاً ؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلتفت حتى يرى من وراءه بياض خدِّه صلى الله عليه وسلم فعن سعد بن أبي وقاص قال : « كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ. » رواه مسلم . ي- الأذكار المشروعة بعد السلام من الصلاة المفروضة سنة - قال النووي : " أجمع العلماء على استحباب الذكر بعد الصلاة " ويستحب رفع الصوت بهذا الذكر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما : «أن رفعَ الصوتِ بالذِّكرِ ـ حينَ يَنصرِفُ الناسُ منَ المكتوبةِ كانَ عَلَى عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ». وفي لفظ قال ابن عباس «كنتُ أَعرفُ انقضاءَ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالتكبير». - والأذكار هي : - يسْتَغْفِرُ الله ثَلاَثاً ثم يقول : «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ. تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ» رواه مسلم من حديث ثوبان . - «لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ. لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ. وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ. لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ. وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ. لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ».متفق عليه من حديث ابن الزبير وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ، والإهلال : هو رفع الصوت . - «لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ. وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ. وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة. - ثم يقول التسبيح الوارد وله صيغ :- الأولى :[ سبحان الله (33)مرة ، والحمد لله ( 33 ) مرة ، والله أكبر ( 33 ) مرة ، وتمام المئة : لا إله إلا الله وحده.....] لحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ سَبَّحَ اللّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَحَمِدَ اللّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَكَبَّرَ اللّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ. وَقَالَ، تَمَامَ الْمِائَةِ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ». رواه مسلم . الثانية : [سبحان الله ( 33 ) مرة ، والحمد لله ( 33 ) مرة ، والله أكبر ( 34 ) مرة ] لحديث كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مُعَقِّبَاتٌ لاَ يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ. ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ تَسْبِيحَةً. وَثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ تَحْمِيدَةً. وَأَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ تَكْبِيرَةً ». رواه مسلم . الثالثة :[سبحان الله ( 25 ) مرة ، والحمد لله ( 25 ) مرة ، والله أكبر ( 25 ) مرة ، ولا إله إلا الله ( 25 ) مرة ] وهذه الصيغة جاءت عند الترمذي من حديث عبدالله بن زيد . الرابعة : [ سبحان الله ( 10 ) مرة ، والحمد الله ( 10 ) مرة ، والله أكبر ( 10 ) مرة ] وهذه الصيغة جاءت عند الترمذي من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه . وسبقت القاعدة في العبادات الواردة على وجوه متنوعة تفعل هذه تارة وهذه تارة . والسنة أن يكون التسبيح بالأصابع لما رواه أحمد والترمذي , قال النبي صلى الله عليه وسلم : « يا معشر النساء اعْقِدْنَ بالأنامل فإِنهن مسؤولات مستنطقات ». قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 22/506 : " وعدُّ التسبيح بالأصابع سنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " سبحن واعقدن بالأصابع فإنهن مسؤولات مستنطقات " .. أما التسبيح بما يجعل في نظام من خرز فمن الناس من كرهه ، ومنهم من لم يكرهه ، وإذا أحسنت النية فيه ، فهو حسن غير مكروه " - قراءة آية الكرسي لحديث أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأَ آيةَ الكُرْسِيْ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوْبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُوْلِ الجَنَّةِ إلا المَوْت " رواه النسائي وصححه ابن حبان . قال ابن القيم : " وبلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية قدس الله روحه أنه قال : ما تركتها عقب كل صلاة " - قراءة المعوذتين : ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس ) لحديث عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه ، قالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْرَأَ بِالمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كلِّ صلاَةٍ ». رواه أحمد وأبو داود . هذه جملة من سنن الصلاة التي يُستحب للمصلي أن يأتي بها , ولا زلنا في وقت الفجر , وإنما عرضنا لما سبق لحاجتنا لاستحضاره في كل موضع للصلاة والله أعلم . [ ومما نُهيَ عنه في هذا الباب : الالتفات , ورفع البصر إلى السماء , والإقعاء المنهي عنه , وافتراش الذراعين في السجود , والعبث بأي شيء , ووضع اليد في الخاصرة , والصلاة وهو يدافع الأخبثين , والصلاة بحضرة طعام , والصلاة وأمامه ما يلهيه عن صلاته , وصلاة كنقر الغراب , وبروك للسجود كبروك البعير , والكلام في الصلاة , ومسابقة الإمام , كفت الثياب والشعر ] هـ- من السنة الجلوس بعد الفجر في المصلى حتى تطلع الشمس عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاَّهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَناً. رواه مسلم . وحسنا أي مرتفعة . وفي لفظ لمسلم عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ: نَعَمْ. كَثِيراً. كَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاَّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ. وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَيَضْحَكُونَ. وَيَتَبَسَّمُ . و- أذكار الصباح ووقت أذكار الصباح يبدأ من طلوع الفجر , فإذا أذَّن المؤذِّن لصلاة الفجر بدأ وقت أذكار الصباح , ولاشك أن الأذكار حصن حصين للعبد في الدنيا وكنز عظيم له في الآخرة , وسيأتي الكلام على وقت أذكار الصباح والمساء ابتداءً وانتهاءً , في مباحث وقت العصر بإذن الله تعالى . ز- أذكار الصباح والمساء هي : - ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، من قالها عشر مرات حين يصبح كتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكانت له عدل رقبة، وحفظ بها يومئذ حتى يمسي، ومن قالها مثل ذلك حين يمسي كان له مثل ذلك)) رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , وحسَّن إسناده ابن باز . - ((أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر))، وإذا أصبح قال ذلك أيضاً: ((أصبحنا وأصبح الملك لله ..... أسألك خير ما في هذه اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر ما في هذه اليوم وشر ما بعده ...)) رواه مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه . - سيد الاستغفار: (( اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة)) رواه البخاري من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه . - ((إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور، وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وصحح إسناد أبي داود وابن ماجه ابن باز رحمه الله . - ((اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءً أو أجره إلى مسلم )) قال النبي : (( قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك)) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله، مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت فعلَّمه الذكر السابق , والحديث رواه أيضاً البخاري في الأدب المفرد وصحح إسناده ابن باز رحمه الله . - ((ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شيء)) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه , قال ابن باز : " وقال الترمذي: حسن صحيح وهو كما قال رحمه الله " - ((ما من عبد مسلم يقول حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً إلا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة)) رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث ثوبان , وحسَّن إسناده ابن باز , وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وجبت له الجنة)). - (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) خرجه الإمام أحمد في المسند، وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . - ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر)) رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وحسَّن إسناده ابن باز , وأخرج مسلم في صحيحة عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) - ((أصبحنا على فطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين)) وإذا أمسى قال : أمسينا على فطرة الإسلام ...أرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الرحمن بن رضي الله عنه وصحح إسناده ابن باز . - كل ما سبق في رسالة للشيخ ابن باز اسمها ( تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة من الأدعية والأذكار ) فصلٌ في أذكار الصباح والمساء , وأيضاً في رسالةٍ في أذكار الصباح والمساء راجعها وصححها الشيخ العلوان وزاد فيها ذكرين : - (( يا حي يا قيُّوم أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين )) أخرجه النسائي والبزار من حديث أنس رضي الله عنه . - (( مَنْ قالَ إِذَا أصْبَحَ وإِذَا أَمْسَى حَسْبِيَ الله لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرشِ الْعَظِيمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ كَفَاهُ الله مَا أَهَمَّهُ)) أخرجه أبوداود من حديث أَبِي الدَّرداء رضي الله عنه .
********
ثالثاً: وقت الضحى يسنُّ في وقت الضحى أن يصلي العبد صلاة الضحى قال أبو هريرةَ رضي الله عنه قال: «أوصاني خَليلي صلى الله عليه وسلم بثَلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ، ورَكعتَيِ الضُّحى، وأنْ أُوتِرَ قبل أنْ أنام» متفق عليه . - واختلف العلماء في سنيَّة صلاة الضحى على أقوال : القول الأول : أن صلاة الضحى تسن غِبَّاً أي تفعل في بعض الأحيان . واستدلوا: بحديث أبي سعيدرضي الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول: لا يدعها ويدعها حتى نقول: لا يصليها " والحديث رواه أحمد والترمذي وهو ضعيف لأن فيه عطية بن سعيد العوفي. القول الثاني : أنها ليست بمشروعة بل بدعة. واستدلوا: بحديث عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها قالت «ما رأيتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّحَ سُبحةَ الضُّحى ، وإنِّي لأُسبِّحُها». رواه البخاري، وجاء عند البخاري أيضاً عن مُوَرِّق العُجلي قال: «قلتُ لابنِ عمرَ رضيَ اللَّهُ عنهما: أتُصلِّي الضُّحى؟ قال: لا. قلتُ: فعمرُ؟ قال: لا. قلتُ: فأبو بكرٍ؟ قال: لا. قلتُ: فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لا إخاله». أي لا أظنه. والقول الثالث : أنه يسن أن يصلي الضحى إذا لم يقم من الليل أما إن قام الليل فإنه لا يصلي الضحى، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. والقول الرابع : أنها تفعل لسبب من الأسباب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها لسبب من الأسباب كقدومه من سفر، وفتحه مكة، وزيارته لقوم كما في حديث عتبان المتفق عليه، وإتيانه مسجد قباء، ونحو ذلك، واختاره ابن القيم. والأظهر والله أعلم: أن صلاة الضحى سنة مطلقاً، وهو قول أكثر أهل العلم. ويدل على ذلك: 1. حديث أبي هريرة قال: أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: «أوصاني خَليلي صلى الله عليه وسلم بثَلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ، ورَكعتَيِ الضُّحى، وأنْ أُوتِرَ قبل أنْ أنام». متفق عليه , وأيضاً أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أبا الدرداء كما عند مسلم , وأوصى بها أبا ذر كما في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي . 2. أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ . فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ. وَيُجَزِىءُ، مِنْ ذلِكَ، رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». رواه مسلم. والسلامى: هي العظام المنفصل بعضها عن بعض. وجاء في صحيح مسلم من حديث عائشة بيان أن كل إنسان خلق على ثلاثمائة وستين مفصل , وأن من جاء بهذا العدد من الصدقات فإنه يمشي يومئذٍ وقد زحزح نفسه عن نار جهنم , فعن عَائِشَةَ قالت : إِنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاَثِمِائَةِ مَفْصِلٍ. فَمَنْ كَبَّرَ اللّهَ، وَحَمِدَ اللّهَ، وَهَلَّلَ اللّهَ، وَسَبَّحَ اللّهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللّهَ، وَعَزَلَ حَجَراً عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْماً عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاَثِمِائَةِ السُّلاَمَى. فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ». - وقتها: يبدأ وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح (أي بعد خروج وقت النهي ) وينتهي قبيل الزوال ( أي قبل دخول وقت الظهر بعشر دقائق تقريباً ). ويدل على ذلك: حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه «صَلِّ صَلاَةَ الصُّبْحِ. ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حِيْنَ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حتى تَرْتَفِعِ......ثُمَّ صَلِّ. فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ. حتى يَسْتَقِلَّ الظِّلَّ بِالرُّمْحِ. ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ. فإنَّه حِينَئِذٍ، تُسْجَرُ جَهَنَّمُ...». رواه مسلم. - وأفضل وقتها: في آخر وقتها وذلك حين ترمض الفصال. ويدل على ذلك: حديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « صَلاَةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمضُ الْفِصَالُ». رواه مسلم. قال ابن باز "معنى ترمض : أي يشتد عليها حر الشمس , والفصال: هي أولاد الإبل, وهي من الصلوات التي فعلها آخر الوقت أفضل ". وقال ابن عثيمين في الممتع 4/88: " ومعنى " ترمض " أي: تقوم من شدة حرِّ الرمضاء، وهذا يكون قبيل الزوال بنحو عشر دقائق ". - فضلها: 1. أنها وصية النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة كأبي هريرة رضي الله عنه , وأبي الدرداء رضي الله عنه , وأبي ذررضي الله عنه كما سبق , والنبي صلى الله عليه وسلم إذا أوصى أحداً بشيء فهي وصية لجميع الأمة , كما أن أمره لشيء , ونهيه عن شيء هو موجَّهٌ لجميع الأمة حتى يأتي دليل يدل على الخصوصية , ولا دليل هنا فهي وصية لجميع الأمة والله أعلم . 2. أنها تعدل ثلاثمائة وستين صدقة كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه السابق عند مسلم . 3. أنها علامة على أن العبد أوَّاب أي رجَّاع إلى ربه لاسيما إذا صلاها في وقتها الفاضل وهو آخر الوقت كما في حديث زيد بن أرقم السابق عند مسلم. 4. أنها صلاة محضورة مشهودة تشهدها الملائكة كما في حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه السابق عند مسلم. قال النووي : " قوله صلى الله عليه وسلم : قوله: «فإن الصلاة مشهودة محضورة» أي تحضرها الملائكة فهي أقرب إلى القبول وحصول الرحمة. " ( انظر شرحه لمسلم , حديث (832) , باب إسلام عمرو بن عبسة ) - عدد ركعاتها: أقلُّ صلاة الضحى ركعتان لحديث أبي هريرةرضي الله عنه في الصحيحين " أوْصَانِيْ خَلِيْلِيْ بِثَلاث - وذكر منها - ورَكعتَيِ الضُّحى". - وأما أكثر صلاة الضحى فالصحيح : أنه لا حدَّ لأكثرها خلافاً لمن حدَّها بثمان ركعات , فله أن يزيد على ثمان إلى ما يفتح الله به عليه لحديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَاً. وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللّهُ. رواه مسلم. ******** رابعاً: وقت الظهر فيه عدة أمور : 1- صلاة سنة الظهر القبلية والبعدية وتقدم عند الكلام على السنن الرواتب أنه يشرع قبل الظهر أربع ركعات وأنه يشرع بعدها ركعتين كما دلَّ على ذلك حديث عائشة وأم حبيبة وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين . وجاء في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي مسند الإمام أحمد حديث أم حبيبة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعٍ ركعاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبعاً بَعْدَها حَرَّمَ الله عَلَيْهِ النَّارَ» ، والحديث من رواية مكحول عن عنبسة , والحديث ضعيف لأن فيه انقطاعاً بين مكحول وعنبسة كما قال أبو زُرعة والنسائي , والمنذري [ انظر الترغيب والترهيب 1/451 ] , وأعلَّه ابن القطان , ومن أهل العلم من صححه , والمحفوظ عن أم حبيبة اثنتا عشرة ركعة وهي السنن الرواتب كما عند مسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة " وقد سبق الحديث عن السنن الرواتب. 2- من السنة تطويل الركعة الأولى من صلاة الظهر لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ كَانَتْ صَلاَةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ اللّه ِصلى الله عليه وسلم في الركْعَةِ الأُولَى، مِمَّا يُطَوِّلُهَا. رواه مسلم . وعليه فإن من السنة للإمام أن يطوِّل الركعة الأولى من الظهر وكذلك من صلى منفرداً , وكذلك المرأة في صلاتها للظهر , وهذه من السنن المندثرة , نسأل الله تعالى تطبيق السنة على الوجه الأكمل والحرص عليها .
3- القيلولة بالاتفاق أن القيلولة هي النوم والاستراحة نصف النهار , ولكن اختلفوا أين تكون من نصف النهار على قولين : فمنهم من قال قبل الزوال , ومنهم من قال بعد الزوال , والأظهر أن الأمر فيه واسع وأن ما قبل وبعد الزوال يدخل في القيلولة واختُلِف هل من السنة فعلها ؟ على قولين . والأظهر والله أعلم أنها ليست من السنة بل هي مما كانوا يفعلونها لحاجتهم للراحة نصف النهار , لاسيما إذا علمنا أنهم يبدؤون أعمالهم من أول النهار فيحتاجون للقيلولة في وسطه , وجاءت النصوص التي تبيِّن أنهم كانوا يقيلون , لكن الأمر بالقيلولة الأحاديث فيه ضعيفة لا يصح منها شيء , ولكن القيلولة هي من الأشياء المتعارف عليها منذ عهد النبي إلى وقتنا الحاضر , ولا شك أن من أراد النوم في النهار , فأفضل وقت وأنفعه هو وقت القيلولة . قال ابن حجر : " وأخرج ابن ماجه وابن خزيمة من حديث ابن عباس رفعه استعينوا على صيام النهار بالسحور، وعلى قيام الليل بالقيلولة وفي سنده زمعة بن صالح وفيه ضعف، وقد تقدم شرح حديث سهل المذكور في الباب في أواخر كتاب الجمعة، وفيه إشارة إلى أنهم كانت عادتهم ذلك في كل يوم، وورود الأمر بها في الحديث الذي أخرجه الطبراني في «الأوسط» من حديث أنس رفعه قال: «قيلوا فإن الشياطين لا تقيل » وفي سنده كثير بن مروان وهو متروك، وأخرج سفيان بن عيينة في جامعه من حديث خوات بن جبير رضي الله عنه موقوفاً قال: «نوم أول النهار خُرُق، وأوسطه خُلُق، وآخره حُـمُق» وسنده صحيح. " ( انظر الفتح , حديث (6279) , باب القائلةِ بعدَ الجمعة ) , والخرق : الجهل , وذلك لأن البركة في أول النهار ومن نام فيه فقد أضاع بركة وهذا من جهله . 4- عند شدة الحر يُسن تأخير صلاة الظهر حتى ينكسر الحر ويدل على ذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ . فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».متفق عليه. [ فيح جهنم : هو غليانها ، وانتشار لهبها ووهجها ] قال ابن عثيمين في الممتع 2/104 : " أما ما كان الناس يفعلونه من قبل ، حيث يصلون بعد زوال الشمس بنحو نصف ساعة أو ساعة ، ثم يقولون : هذا إبراد ، فليس هذا إبراداً ! هذا إحرار ، لأنه معروف أن الحر يكون أشد ما يكون بعد الزوال بنحو ساعة , فإذا قدَّرنا مثلاً أن الشمس في أيام الصيف تزول على الساعة الثانية عشرة ، وأن العصر على الساعة الرابعة والنصف تقريباً ، فيكون الإبراد إلى الساعة الرابعة تقريباً " و الإبراد عام لمن يصلي في جماعة ولمن يصلي وحده على الصحيح واختاره شيخنا ابن عثيمين , وعليه يدخل في ذلك النساء أيضاً , فيسن لهن الإبراد في شدة الحر لعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ******** خامساً: وقت العصر - هل يسنُّ قبل العصر شيئاً من النوافل ؟ تقدَّم الكلام على السنن الرواتب وبيانها , وليس قبل العصر منها شيء , وورد عند أحمد وأبي داود والترمذي من حديث ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه ، قالَ : قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم «رَحِمَ الله امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعاً». وهذا الحديث مروي من طرق عن أبي داود الطيالسي، عن محمد بن إبراهيم بن مسلم، عن جده مسلم بن مهران عن ابن عمر به، فالحديث مداره على محمد بن إبراهيم بن مسلم بن مهران بن المثنى وهو متكلَّم فيه، قال الذهبي في الميزان: " قال الفلاس: يروي عنه أبو داود الطيالسي مناكير " , وقال عنه أبو زُرعة : واهٍ , وليَّنه ابن مهدي . [ انظر الميزان ( 4/26 ) ] قال ابن القيم في " الزاد " 1/311 : " وقد اختلف في هذا الحديث، فصححه ابن حبان، وعلله غيره، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: سألت أبا الوليد الطيالسي، عن حديث محمد بن مسلم بن المثنى، عن أبيه عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم "رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً " فقال: دع ذا. فقلت إن أبا داود قد رواه فقال: قال أبو الوليد: كان ابن عمررضي الله عنه يقول: " حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، في اليوم والليلة
| |
| | | عبد الفتاح احمد المدير العام للمنتدي
عدد المساهمات : 454 نقاط : 150998 العضوية : 0 12/04/2011 العمر : 39
| موضوع: رد: السنة النبوية اليومية للرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل أمور الحياة الجمعة يونيو 03, 2011 12:00 am | |
| كان ابن عمررضي الله عنه يقول: " حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، في اليوم والليلة " فلو كان هذا لعَدَّه، قال أبي: يعني كان يقول: " حفظت ثنتي عشرة ركعة ". قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 23/125: " وأما قبل العصر، فلم يقل أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر إلا فيه ضعف، بل خطأ ". - وسألت من له عناية بالحديث كالشيخ عبدالله السعد , والشيخ سليمان العلوان , والشيخ عبدالعزيز الطريفي عن حديث ابن عمر " رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً " وحديث أم حبيبة "من صلى قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً حرمه على النار" فحكموا عليهما بالضعف , فالصواب والله أعلم أنه لايُسنُّ سنة مقيَّدة قبل العصر , وإنما يبقى الأمر مطلقاً فمن شاء أن يصلى ركعتين أو أكثر من ذلك من قبيل التطوع المطلق كما يصلي في غيرها من الأوقات سوى أوقات النهي فله ذلك , وأما شيء مقيَّد قبل العصر فلا . - أذكار المساء - متى يبتدئ وقت أذكار الصباح والمساء ؟ أ- وقت أذكار الصباح : يبدأ من طلوع الفجر الصادق الذي هو وقت صلاة الفجر , فإذا أذَّن المؤذِّن لصلاة الفجر ابتدأ حينئذ وقت أذكار الصباح , وهذا قول عامة العلماء , وهناك قول آخر أن ابتداءها يكون من نصف الليل الأخير , والصواب قول عامة أهل العلم وهو طلوع الفجر , وسيأتي ما يدل على ذلك في كلام ابن القيم رحمه الله , ووقت أذكار الصباح والمساء ابتداءً وانتهاءً مما اختلف فيه أهل العلم , لأنه لم يرد نص مخصوص في تحديد وقتها , فاختلف أهل العلم متى ينتهي وقت أذكار الصباح ؟ فقيل : بطلوع الشمس , واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في الكلم الطيب , وتلميذه ابن القيم في الوابل الصيب. وقيل : بغروب الشمس واختاره ابن الجزري الشوكاني , في تحفة الذاكرين . والأظهر والله أعلم : القول الأول وأنه ينتهي وقتها بطلوع الشمس , ولكن لا يمنع أن يقولها بعد طلوع الشمس , لاسيما إن كان تركه لها لعذر , ولأن ما بعد طلوع الشمس يسمى صباحاً , ولأنه يُحصِّل بذلك فضيلة الذكر وبركته , وهذا أفضل من تركها وغفلته في بقية يومه . ب- وقت أذكار المساء : اختلف أهل العلم في ابتداء وقت أذكار المساء وانتهائه : فقيل : من زوال الشمس , إلى غروب الشمس وأول الليل , وبه أفتت اللجنة الدائمة . [ انظر "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/178)] وقيل : بعد العصر , إلى غروب الشمس , واختاره ابن تيمية وابن القيم , وهو ظاهر كلام النووي في كتابه الأذكار . وقيل : بعد غروب الشمس , وينتهي بطلوع الفجر على قول بعضهم كابن الجزري والشوكاني , وقيل : إلى ثلث الليل, وقيل : إلى نصف الليل واختاره صاحب القاموس المحيط , ومنهم من لم يحدِّد وقت انتهاء . والأظهر والله أعلم : أنه يبدأ بعد العصر إلى غروب الشمس , ويقال فيه كما قيل في وقت أذكار الصباح من أنه لا يمنع قولها بعد غروب الشمس لاسيما إن كان تركه لها لعذر , ولأن ما بعد طلوع الشمس يسمى مساءً , ولأنَّه يحصِّل بذلك فضيلة الذكر وبركته وهذا أفضل من تركها وغفلته في بقية يومه . قال ابن القيم : : " الفَصْل الأول : في ذِكْر طَرفي النهار ، وَهُمَا مَا بَيْن الصبح وطلوع الشمس ، وما بين العصر والغروب . قال سبحانه وتعالى : (يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً ) والأصِيل قال الجوهري : هو الوقت بعد العصر إلى الْمَغْرِب ... وقال تعالى : ( وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ) ، فالإبكار أول النهار ، والعَشِيّ آخِره . وقال تعالى : (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) ، وهذا تفسير مَا جاء في الأحاديث ، مَن قَال كذا وكذا حِين يُصْبِح وحِين يُمْسِي ؛ أن الْمُرَاد بِه قبل طُلوع الشمس وقبل غروبها ، وأنَّ مَحَلّ هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر . " اهـ. [انظر الوابل الصيب ص ( 186 ), وانظر نحو كلام ابن القيم كلامَ شيخه ابن تيمية في الكلم الطيب ] وسئل شيخنا ابن عثيمين : "ما هو وقت أذكار المساء ؟ وما هو الوقت الأفضل لها؟ وهل تقضى عند نسيانها ؟ الجواب : الحمد لله , المساء واسع من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء كلها يسمى مساء , وسواء قال الذكر في الأول أو في الآخر, إلا ما ورد تخصيصه بالليل مثل آية الكرسي من قرأها في ليله . فالذي يكون مقيداً بالليل يقال بالليل , والذي يكون مقيداً بالنهار يقال بالنهار, وأما قضاؤها إذا نسيت فأرجو أن يكون مأجورا عليه " [من فتاوى الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة العدد (174)7/2/1421هـ ص (36) وانظر أيضاً شرحه لرياض الصالحين ( 2/1533 ) باب الذكر عند الصباح والمساء ] ******** سادساً: وقت المغرب فيه عدة أمور : 1- من السنة كف الصبيان أول المغرب 2- من السنة إغلاق الأبواب أول المغرب وذكر اسم الله تعالى وفي فعل هذين الأدبين حفظ من الشياطين والجن , ففي كفِّ الصبيان في أول ساعة من المغرب حفظ لهم من الشياطين التي تنتشر في ذلك الوقت , وكذا في إغلاق الباب هذه الساعة وذكر اسم الله تعالى عند إغلاقه , وكم من صبي وبيت تمكنت الشياطين منه في هذا الوقت , فما أعظم رعاية الإسلام لصبياننا ولبيوتنا ! ويدل على ذلك : حديث جابرَ بنَ عبدِ اللهِ رضيَ الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ ـ أَوْ أَمْسَيْتُمْ ـ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ. فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ، فَإنَّ الشَّيطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَاباً مُغْلَقاً. ». متفق عليه , وجنح الليل هو إقباله بعد غروب الشمس . وفي رواية لمسلم : «لاَ تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ. فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ». قال النووي : " «فكفوا صبيانكم» أي امنعوهم من الخروج ذلك الوقت. قوله صلى الله عليه وسلم : «فإن الشيطان ينتشر» أي جنس الشيطان، ومعناه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذٍ والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم : «لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء» قال أهل اللغة: الفواشي كل منتشر من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها وهي جمع فاشية لأنها تفشو أي تنتشر في الأرض، وفحمة العشاء ظلمتها وسوادها وفسرها بعضهم هنا بإقباله وأول ظلامه، وكذا ذكره صاحب نهاية الغريب قال: ويقال للظلمة التي بين صلاتي المغرب والعشاء الفحمة، وللتي بين العشاء والفجر العسعسة. " (انظر شرحه لمسلم , حديث (2012) , باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء ....) وبعدما تذهب مدة من دخول الليل لا بأس بإطلاق الصبيان , لأن الوقت الذي تنتشر فيه الشياطين قد ذهب وقد يُفهم من هذا – والله أعلم - أن الشياطين بعد هذه المدة قد وجدت مأوى لها , والحكمة من انتشار الشياطين في هذا الوقت دون النهار كما ذكر ابن حجر " لأن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار ؛ لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره ، وكذلك كل سواد " ( انظر فتح الباري , حديث (3280) , باب صفةِ إبليسَ وجنودهِ ] قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله :" وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل ، وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن ، وأما قوله : ( إن الشيطان لا يفتح غلقا ، ولا يحل وكاء ) فذلك إعلام منه وإخبار عن نعم الله سبحانه وتعالى على عباده من الإنس ، إذ لم يعط قوة على فتح باب ولا حل وكاء ولا كشف إناء ، وأنه قد حرم هذه الأشياء ، وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس"[انظر الاستذكار (8/363)] وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله :" ويسن إذا جن الليل تغطية الإناء ولو بعرض عود ، وإيكاء السقاء ، وإغلاق الأبواب مسميا لله تعالى في الثلاثة ، وكف الصبيان والماشية أول ساعة من الليل ، وإطفاء المصباح للنوم " [ انظر مغني المحتاج (1/31) ] وكفِّ الصبيان وإغلاق الأبواب أول المغرب إنما هو من باب الاستحباب. [وانظر فتاوى اللجنةالدائمة(26/317)] 3- صلاة ركعتين قبل المغرب لحديث عبدِ اللّهِ بنِ مُغَفَّل المُزنيُّ رضي الله عنه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « صَلُّوا قبلَ المغربِ , صَلُّوا قبلَ المغربِ - قال في الثالثة - لِمَنْ شَاءَ. كراهيةَ أنْ يَتَّخِذَها الناسُ سُنَّةً» رواه البخاري. وأيضاً حديث أنسٍ رضي الله عنه قال: لقد رأيتُ كِبارَ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرون السَّواريَ عندَ المغربِ. رواه البخاري. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍرضي الله عنه ، قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ. فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلاَةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ. فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلاَةَ قَدْ صُلِّيَتْ، مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا. رواه مسلم، [ ويبتدرون: أي يسارعون، إلى السواري ليجعلوها سترة , وفي هذا بيان محافظتهم على اتخاذ السترة ]. قال ابن القيم: في الهدي 1/312: " وفي الصحيحين عن عبدالله المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، قال في الثالثة: لمن شاء, كراهة أن يتخذها الناس سنة " وهذا هو الصواب أنهما سنتان مندوب إليهما وليستا بسنة راتبة كسائر السنن الرواتب ". - وأيضاً يُسنُّ صلاة ركعتين بين كل أذان وإقامة وسواء كانت هاتان الركعتان راتبة كالفجر والظهر فإنه يكفي بصلاته الراتبة عن هاتين الركعتين أو كأن يكون جالساً في المسجد ثم أذن المؤذن لصلاة العصر أو العشاء فإن من السنة أن يقوم ويصلي ركعتين. ويدل على ذلك: حديث عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : « بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ» قَالَهَا ثَلاَثاً. قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ». " متفق عليه. قال ابن باز في مجموع فتاواه مجلد (11): " المشروع لكل مسلم أن يصلي ركعتين بين الأذانين، سواء كانت الركعتان راتبة أو غير راتبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة " ثم قال في الثالثة " لمن شاء " متفق على صحته، وهذا يعم جميع الصلوات، والمراد بالأذانين الأذان والإقامة، فدل هذا الحديث وما جاء في معناه على شرعية صلاة الركعتين بين الأذانين، وإذا كانت راتبه كسنة الفجر والظهر كفت ". ولاشك أن الركعتين قبل المغرب أو بين كل أذانين ليست مؤكدة كتأكيد السنن الرواتب وإنما تترك أحياناً , ولذا قال النبي في الثالثة : « لِمَنْ شَاءَ. كراهيةَ أنْ يَتَّخِذَها الناسُ سُنَّةً» . 4- يكره النوم قبل العشاء لحديث أبي بَرْزَةَ الأسْلَميِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « وكانَ يَستحِبُّ أن يُؤَخِّرَ العِشَاءَ التي تَدْعونَها العَتَمةَ ، وكان يكرَهُ النومَ قبلها والحديثَ بعدَها » . متفق عليه . والعلة من كراهة النوم وقت المغرب أي قبل العشاء ؛ لأن في نومه سبب في تفويت صلاة العشاء ******** سابعاً: وقت العشاء فيه عدة أمور : أ- يكره الحديث والمجالسة بعدها لحديث أبي بَرْزَةَ الأسْلَميِّ رضي الله عنه السابق وفيه : « وكان يكرَهُ النومَ قبلها والحديثَ بعدَها » . ولا يكره أن يتحدث الإنسان بعد العشاء إن كان في طلب علم أو عمل في مصالح المسلمين أو الشغل أو مسامرة أهل وضيف ونحوه . ويدل على ذلك : 1 – حديث عُمَرَ بن الْخطَّابِ رضي الله عنه ، قَالَ: «كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْمُرُ مَعَ أبِي بَكْرٍ فِي الأمْرِ مِنْ أمْرِ المُسْلمِينَ وَأنَا مَعَهُما» . رواه أحمد والترمذي وحسنه. 2 – حديث ابن عباسٍ رضي الله عنه قال: «بِتُّ في بيت ميمونة ليلةً والنبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَها لأِنظر كيفَ صلاةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم باللْيلِ فتحدَّث رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مع أَهلِه ساعةً ثم رقدَ». متفق عليه . وسبب الكراهة والله أعلم : أن نومه يتأخر ، فيُخَافُ منه تفويت الصبح عن وقتها ، أو عن أولها ، أو يفوته قيام الليل ممن يعتاده , ولذا ذمَّ النبيصلى الله عليه وسلم الرجلُ الذي ينام الليل كله حتى يُصْبِح , ولا يقوم لصلاة الليل ، جاء ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال : ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ. قَالَ: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِيْهِ» أَوْ قَالَ «فِي أُذُنِهِ». والمقصود أن سبب كراهة الحديث بعد العشاء لغير حاجة ؛ لأنه سبب في تفويت قيام الليل وربما صلاة الفجر , كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى عن السهر ويضرب الناس على ذلك ويقول : أسَمَراً أول الليل ونوماً آخره. كما رواه عبد الرزاق في مصنفه . ب - الأفضل في صلاة العشاء أن تؤخر ما لم يكن في ذلك مشقة على المأمومين فالأفضل تأخيرها إلى آخر وقت العشاء وهذا التأخير يشترط فيها مراعاة المأمومين وأحوالهم . ويدل على ذلك : 1 – حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ. حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى. فَقَالَ: « إِنَّهُ لَوَقْتُهَا , لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي » رواه مسلم.
2- حديث جابر رضي الله عنه وفيه : « وَالْعِشَاءَ، أَحْيَاناً يُؤَخِّرُهَا وَأَحْيَاناً يُعْجِّلُ. كَانَ إِذَا رَآهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ. وَإِذَا رَآهُمْ قَدْ أَبْطَأُوا أَخَّرَ. » متفق عليه . 3 – حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّصلى الله عليه وسلم : « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ الَّليْلِ أَوْ نِصْفِه» . رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي : حسن صحيح . وعليه فالسنةُ في حق المرأة حيث إنها لا ترتبط بجماعة أن تؤخِّر العشاء إذا لم يكن في ذلك مشقة عليها , وكذا الرجل إن لم يكن مرتبطاً بجماعة كأن يكون في طريق سفر ونحوه . جـ- النوم وفيه عدة سنن : 1- إغلاق الأبواب عند النوم لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «أطفِئوا المصابيحَ بالليل إذا رَقدْتم، وأغلقوا الأبواب، وأوكئوا الأسْقِية، وخمروا الطعامَ والشراب. ». رواه البخاري ومسلم . والعلَّة من الأمر بإغلاق الأبواب منع الشياطين من الدخول كما تقدم في حديث جابر الآخر « وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَاباً مُغْلَقاً. » 2- إطفاء النار قبل النوم لحديث جابررضي الله عنه السابق وفيه : «أطفِئوا المصابيحَ بالليل إذا رَقدْتم » وأيضاً حديث ابن عمر رضي الله عنه عند مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ». وفي الصحيحين من حديث أَبِي مُوسَىرضي الله عنه ، قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ اللَّيْلِ. فَلَمَّا حُدِّثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَأْنِهِمْ قَالَ: «إِنَّ هذِهِ النَّارُ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ. فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ». والعلة من الأمر بإطفاء النار قبل النوم جاءت في حديث جابر رضي الله عنه في رواية البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم : « وأَطفئوا المصابيح فإِنَّ الفويسقةَ ربما جرَّتِ الفَتيلةَ فأحرقَتْ أهلَ البيت». والفويسقة : هي الفأرة , وهي من الفواسق الخمس اللاتي يقتلن في الحل والحرم , فهي ربما تجر فتيل المصباح ثم تحرق على أهل البيت بيتهم , وعليه يقاس أي شيء يكون سبباً في جرِّ الحريق لأهل البيت , فيُحترز مثلاً من الأشياء التي ربما تؤثر على وسائل التدفئة لقربها منها فتكون سبباً في اشتعال الحريق ونحو ذلك , لأن العلة واحد والنار عدوٌّ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم . وبناءً عليه لو أَمِن النائم من هذه النار وأنها لن تؤثر بأن لم يكن حولها ما يسبب في انتشارها , فلا بأس حينئذ من إبقائها ؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدما . قال النووي : " قوله صلى الله عليه وسلم : «لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون» هذا عام تدخل فيه نار السراج وغيرها، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الأمر بالإطفاء في الحديث السابق بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم فإذا انتفت العلة زال المنع " (انظر شرحه لمسلم , حديث (2015) , باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء ...) وكذا قال ابن دقيق العيد وبيَّن أن قول الأكثر بأن الأمر للاستحباب لا للوجوب كما ذكر ابن حجر . ( انظر الفتح , حديث (6293) , باب لاتُترَكُ النارُ في البيت عندَ النوم ) 3- الوضوء قبل النوم لحديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَة. ثُمَّ اضْطَجِـعُ علَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ. ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ...». متفق عليه . قال النووي : " فإن كان متوضئاً كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه. " ( انظر شرحه لمسلم , حديث (2710 , باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع ) 4- نفض الفراش قبل الاضطجاع عليه فمن السنة قبل النوم أن ينفض من أراد النوم فراشه بداخلة إزاره ثلاث مرات , ويسمِّ الله تعالى . لحديث أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إِذا أوَى أحدُكم إلى فراشهِ فليَنفضْ فِراشهُ بداخلةِ إزاره، فإنهُ لايدري ماخَلَفَهُ عليه، ثم يقول: باسمكَ ربي وَضعتُ جَنبي ...». وفي رواية : « إذا جاء أحدكم فِراشه فلْيَنفضه بصنفةِ ثَوبهِ ثلاثَ مراتٍ ...» وعند مسلم : «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَلْيُسَمِّ اللّهَ ... ». وداخلة الإزار وكذلك صنفة الثوب : هي طرفه الداخل الذي يلي الجسد . فمما تقدَّم يتبيَّن أن السنة أن ينفض فراشه بداخلة إزاره , وأن النفض ثلاث مرات , وأنه يُسمِّي عند النفض وفي الحديث بيان الحكمة من النفض وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم : « فإنهُ لايدري ماخَلَفَهُ عليه ». فربما خلفه على فراشه ما يؤذيه . والأفضل أن يكون نفضه بداخلة الثوب , ومن أهل العلم من قال بأي شيء وأهم شيء أن ينفض الفراش ومنهم الشيخ ابن الجبرين في فتوى له برقم (2693) حيث قال : " وليس شرطًا استعمال داخلة الإزار، بل لو نفض الفراش كله أو نفضه بعمامة أو نحوها، حصل المقصود. " 5- النوم على الشق الأيمن 6- وضع يده اليمنى تحت الخد الأيمن ويدل على هاتين السنتين : حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَة. ثُمَّ اضْطَجِـعُ علَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ. ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ...». متفق عليه . وحديث حذيفةرضي الله عنه قال : «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أخذَ مَضجَعه من الليل وضعَ يدَه تحتَ خدِّه ..». رواه البخاري , وعن البراء رضي الله عنه : «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده». رواه أحمد 7- قراءة أذكار النوم وللنوم أذكار من الكتاب والسنة : فمن الكتاب : أ- قراءة آية الكرسي فيُسنُّ قراءة آية الكرسي عند النوم ففيها حفظ له من الشيطان حتى يصبح . ويدل على ذلك : قصة أبي هريرةَ رضي الله عنه مع الذي يسرق من الزكاة وهو في كل مرة يشكو الحاجة والعيال فلما كررها الثالثة عزم أبو هريرة رضي الله عنه على رفع أمره للنبيصلى الله عليه وسلم فقال له قال: « دَعْني أُعَلّمكَ كلماتٍ ينفعكَ اللهُ بها. قلتُ: ما هنّ؟ قال: إِذا أوَيتَ إِلى فِراشِكَ فاقرَأ ايةَ الكرسي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} (البقرة: 255) حتّى تَختِمَ الآيةَ فإِنكَ لن يَزالَ عليكَ منَ اللهِ حافظ، ولا يقربنّكَ شيطان حتّى تُصبحَ. فخلّيتُ سبيلهَ، فأصبحتُ فقال لي رسولُ اللهصلى الله عليه وسلم : ما فعلَ أسيرُكَ البارحةَ؟ قلتُ: يا رسولَ اللهِ زعمَ أنهُ يُعلّمني كلماتٍ يَنفَعُني اللهُ بها فخلّيتُ سبيله، قال: ما هيَ؟ قلتُ: قال لي إِذا أَوَيتَ إِلى فراشِك فاقرَأ ايةَ الكرسي من أوّلها حتّى تختِمَ الآيةَ { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } وقال لي: لن يَزالَ عليكَ منَ اللهِ حافظ ولا يقربَك شَيطانٌ حتى تصبح، - وكانوا أحرصَ شيءٍ على الخير - فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : أما إنّه قد صدَقَكَ وهوَ كَذوب. تَعلمُ مَن تُخاطِبُ مُذ ثلاثِ ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال: لا. قال: ذاكَ شيطان». رواه البخاري معلقاً ووصله النسائي . ب- قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة لحديث أبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأَ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِي لَيْلَةٍ، كَفَتَاهُ». متفق عليه , والآيتان من آخر سورة البقرة ليستا من أذكار النوم على وجه الخصوص , وإنما ذكر يقال في الليل فمن لم يقرأهما بالليل وتذكَّر ذلك عند نومه فليقرأهما عند نومه . واختُلف في معنى كفتاه : فقيل : كفتاه من قيام الليل , وقيل : كفتاه من الشيطان , وقيل : كفتاه من الآفات , ويحتمل الجميع كما قال النووي . (انظر شرحه لمسلم , حديث (808), باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة ......) جـ- قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين والنفث بها في الكفين ثم مسح الجسد بهما ثلاث مرات ويدل على ذلك : حديث عائشةَ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أَوَى إلَى فِراشِهِ كل ليلةٍ جمع كَفيه ثم نفثَ فيهما فقرأَ فيهما {قل هو الله أحد } و {قل أعوذ برب الفلق } و {قل أعوذ برب الناس } ثم يمسحُ بهما ما استطاع من جَسَدِه، يَبدَأ بهما على رأسِهِ ووجهه وما أَقبَل من جسدَه، يفعل ذلك ثلاثَ مرَّات ». رواه البخاري. ويستفاد من الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطبق هذه السنة كل ليلة لقول عائشة " كل ليلة " , وأن من أراد تطبيق هذه السنة فإنه يجمع كفيه ثم ينفث فيهما بالإخلاص والمعوذتين ثم يمسح ما استطاع من جسده مبتدئاً برأسه ووجهه , ويفعل ذلك ثلاث مرات . والنفث شبيه بالنفخ , وهو أخف من التفل لأن التفل لا يكون إلا معه شيء من الريق , وقيل إن النفث هو التفل . [ انظر لسان العرب , مادة (نفث) , وانظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير , مادة (نفث) ] - في الحديث إشكال وهو أن ظاهر الحديث يدل على أن النفث يكون قبل القراءة فما فائدة النفث حينئذٍ ؟ من أهل العلم من يرى تقديم النفث على القراءة لظاهر الحديث فإنه بدأ بالنفث ثم القراءة وهو اختيار الشيخ الألباني , ومنهم من يرى أن النفث يكون بعد القراءة لأن البركة إنما تكون في هذا المنفوث أو الريق بعدما اختلط بالقرآن وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين , وذكر أن (ثم ) لا تقتضي الترتيب أحياناً . فقال رحمه الله : " وظاهره : أنه يقرأ مرة ثم يمسح , ثم يقرأ ثم يمسح , كل واحدة لحالها ( قل هو الله أحد ) و ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس ) جميعاً , ثم يمسح , ثم يعيدها جميعاً ثم يمسح , هذا نص الحديث . والذي يظهر – والله أعلم – أن النفث بعد القراءة , و ( ثم ) أحياناً لا تقتضي الترتيب وقد مرَّ علينا قول الشاعر : إنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أبُوه ثم سَادَ مِن بعد ذلك جدُّه والحكمة من ذلك : أن هذا الريق الذي اختلط بالقراءة هو الذي تكون فيه البركة , والظاهر أن المسح يكون من فوق الثياب " [ انظر شرح البخاري لشيخنا(60/10) , باب فضل المعوذات , الطبعة المصرية للمكتبة الشاملة ] وربما يشهد لذلك رواية البخاري الأخرى : قالت عائشة : «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أَوَى إلى فِراشهِ نَفثَ في كفَّيهِ بقلْ هوَ اللهُ أحد وبالمعوّذتين جميعاً، ثم يمسحُ بهما وَجهَه وما بَلغَت يَداهُ من جسَدِه. قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرُني أن أفعلَ ذلكَ به». فظاهر الحديث يدل على أن النفث بالسور نفسها لا قبلها , وأفاد هذا الحديث حرص النبي على هذه السنة حيث إنه صلى الله عليه وسلم حتى إذا مرض يفعل ذلك وذلك بأمره لعائشة , وجاء في الصحيحين ما يدل على أن النفث بها ليس فقط عند النوم وإنما أيضاً إذا اشتكى وجعاً , فعن عائشة رضي اللَّهُ عنها «أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفثَ على نفسِهِ بالمعوّذات، ومسحَ عنه بيدهِ. فلما اشتكى وجعَهُ الذي تُوفِّي فيه طَفِقْتُ أنفثُ عَلَى نفسِهِ بِالمعوّذات التي كان يَنفثُ وأمسَحُ بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه» وفي رواية : «وأَمسَحُ بِيَدِهِ رجاء بركَتها». د - قراءة سورة الكافرون لحديث عَرْوَةَ ابنِ نَوْفَلٍ عنْ أَبِيهِ رضي الله عنه : « أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِنَوْفَلِ : اقْرَأْ قل يآأيها الكافرون ثُمَّ نَمْ عَلَى خاتِمَتِهَا فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِرْكِ». رواه أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني . قال ابن حجر : " في القراءة عند النوم عدة أحاديث صحيحة: منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قراءة آية الكرسي وقد تقدم في الوكالة وغيرها، وحديث ابن مسعود الآيتان من آخر سورة البقرة وقد تقدم في فضائل القرآن، وحديث عروة بن نوفل عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنوفل : اقرأ قل يآأيها الكافرون في كل ليلة ونم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك» .." ( انظر الفتح , حديث (6319) , باب التَعوُّذِ والقراءةِ عندَ المنام ) ومن السنة أدعية كثيرة منها : أ- « باسمكَ اللهمَّ أموتُ وأَحْيا ». رواه البخاري من حديث حذيفة . ب- «اللَّهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا. لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا. إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا، وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ» رواه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه . جـ- «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ. فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى. وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ. أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ. وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ. وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ. وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ. اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . د- « باسمكَ ربي وَضعتُ جَنبي، وبكَ أرفَعهُ، إن أمسكتَ نفسي فارحَمْها، وإن أرسلتَها فاحفظْها بما تحفظُ به عبادك الصالحين». متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . هـ- «الْحَمْدُ للّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا. فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ وَلاَ مُؤْوِي». رواه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال : أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «الْحَمْدُ للّهِ... قال المباركفوري في تحفة الأحوذي : " «وكفانا» أي دفع عنا شر المؤذيات أو كفى مهماتنا وقضى حاجاتنا «وآوانا» أي رزقنا مساكن وهيأ لنا المآوي "(انظر تحفة الأحوذي , حديث (3396), باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه) و- « اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك». رواه أحمد من حديث البراء رضي الله عنه قال: «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نام وضع يده على خده ثم قال:.... , وصححه الألباني , ورواه أحمد وأبوداود والترمذي من حديث حذيفة . ي- التسبيح والتحميد ثلاثاً وثلاثين , والتكبير أربعاً وثلاثين فمن السنة أن يسبح ثلاثاً وثلاثين , ويحمد الله ثلاثاً وثلاثين , ويكبر الله أربعاً وثلاثين إذا أراد أن ينام , فلهذا فضل عظيم وهو أنه يعطي البدن قوة في يومه . ويدل على ذلك : حديث عَلِي رضي الله عنه : أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا. وَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ. فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ. وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ. فَأَخْبَرَتْهَا. فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّصلى الله عليه وسلم ، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا. وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا. فَذَهَبْنَا نَقُومُ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي. ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْراً مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللّهَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ. وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. وَتَحْمَدَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». رواه البخاري ومسلم . وفي رواية : قَالَ عَلِيٌّ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَِّيِّ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ. وفي هذا دلالة على شدة حرصهم على السنة ففي تلك الليلة التي كان فيها علي رضي الله عنه مشغولاً بالمعركة وبصفته قائد جيشه رضي الله عنه وفي هذا أشدُّ انشغالاً لكونه مرجعاً لمن معه , إلا أنَّ ذلك لم يشغله عن هذه السنة العظيمة , فماذا يقول من فرَّط بكثير من السنن محتجاً بما دون ذلك بكثير , وأعظم منه حرماناً من حُرِم تطبيق السنة من غير شاغل يشغله ولكن داؤه قلبه الذي غفل فحُرم إدراك كثير من الفضائل فرحم الله حالنا . ز- « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ. وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ. وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ. رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ. لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ. آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ. وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ». متفق عليه من حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَة. ثُمَّ اضْطَجِـعُ علَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ. ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ..... .( وفي آخر الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم ) : « وَاجْعَلْهُنَّ مِنْ آخِرِ كَلاَمِكَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، مُتَّ وَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ». وفي رواية لمسلم : « وَإِنْ أَصْبَحْتَ، أَصْبَحْتَ عَلَى خَيْرِ». وفي هذا الحديث بيان سنة أخرى وهي أن يجعل هذا الذكر آخر شيء يتكلم فيه قبل نومه , وفيه جائزة عظيمة فيما لو قُدِّر عليه أنْ مات من ليلته فإنه يكون ممن مات على الفطرة أي أنه مات على السنة على ملة إبراهيم حنيفا , وإن أصبح فإنه أصبح على خير في رزقه وعمله وهي كلمة شاملة تشمل ماسبق وغيره والله أعلم . - ومما يجدر التنبيه عليه ذكرٌ عظيمٌ هو سببٌ في فضلٍ عظيم امتن به العلي العظيم جل جلاله , وهو ما جاء في صحيح البخاري من حديث شدادِ بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : «سيدُ الاستغفارِ أن يقولَ: «اللهمَّ أنتَ ربِّي لاإِلهَ إلا أنت، خلَقتني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِكَ ووَعدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بك من شر مَا صنعتُ، أبُوءُ لك بنعمتكَ عليَّ، وأبُوءُ لك بذنبي، فاغَفِرْ لي، فإنه لا يَغفرُ الذنوبَ إلا أنت.» قال: ومن قالها من النهارِ مُوقِناً بها فماتَ من يومهِ قبل أن يمسي فهو من أهلِ الجَنة، ومن قالها من الليلِ وهو موقِنٌ بها فماتَ قبلَ أن يصبحَ فهو من أهل الجنة». وعليه فليحرص العبد على إدراك هذا الفضل العظيم بالمحافظة على هذا الدعاء الفضيل في يومه وليلته , مع مراعاة شرطه وهو الإيقان بما يقوله من كلمات ؛ ليفوز بجنة عرضها الأرض والسموات , فهذا الدعاء من أسباب دخول الجنة , نسأل الله من فضله . 8- سنن فيما يراه النائم وما يراه النائم إما أن يكون رؤيا فهي من الله جل وعلا , وإما أن تكون حلماً فهي من الشيطان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث أبي قتادة , وإما أن تكون حديث نفس , وكثيراً ما يرى النائم في منامه أشياء تجعله إمَّا أن يقوم ويظل يومه مسروراً , أو يظل مهموماً قلقا , وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يجعل العبد دائماً مطمئناً على أية حال وأي مرأى رآه , ولكنها الغفلة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فتجد كثيراً ممن يرى ما يكره يقلق ويبذل قصارى جهده للوصول إلى معبِّرٍ يُعَبِّر له ما رآه – في زمن كثر فيه المعبرين على خلاف عصور السلف الفاضلة – وربما وجدت ذلك الرائي يصل به الحد لأن يسأل عن تفاصيل وربما ترجَّى من يعبِّر له بأن يطمئنه , مع جزمه بصواب ما قد يُعبَّر له إلى غير ذلك من المحاذير في هذا الأمر – وليس هذا موطن ذكرها , وقد ذكرت شيئاً منها في رسالةٍ أسميتها يا صاحب الرؤيا تمهل – ومن عرف سنة النبي في ذلك لم يصبه ذلك الهلع والخوف لإيقانه بفضائل هدي خير المرسلين , ومن السنن في هذا الباب ما جاء في هذه الأحاديث : عَنْ أَبِي سَلَمَةَرضي الله عنه ، قَالَ: إِنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّوءْيَا تُمْرِضُنِي. قَالَ فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ. فَقَالَ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤيَا فَتُمْرِضُنِي. حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللّهِ. فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ. وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفِلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثاً، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا. وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَداً فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». وقال أبو سَلمةَ: فإن كنتُ لأرى الرُّؤيا أثقلَ عليَّ من الجبلَ، فما هوَ إلا أن سمعتُ هذا الحديثَ فما أُباليها. متفق عليه . وفي رواية : «الرؤيا الصالحة من الله، والحُلُمُ منَ الشيطان فإِذا حلَمَ أحدُكم حُلماً يخَافهُ فلْيَبصُق عن يَسارهِ ولْيتعوَّذْ باللهِ من شرِّها، فإِنها لا تضرُّه». متفق عليه . وعن أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . قَالَ «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ. وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثاً. وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ. وَالرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللّهِ. وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ. فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ». رواه مسلم . وفي حديث جَابِرٍ رضي الله عنه عند مسلم قال رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : « وَلْيَسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلاَثاً. وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ». رواه مسلم . وفي حديث أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه عند البخاري : «إِذا رأَى أَحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله، فلْيَحمد الله عليها». وتحصَّل من الأحاديث السابقة : أن من رأى رؤيا حسنة فإنه يُسنُّ له أن يفعل ما يلي : أولاً : أن يحمد الله عليها لأنها من الله . ثانياً : أن يخبر بها ولا يخبر بها إلا من يحب . - وأن من رأى رؤيا يكرهها فإنه يسنُّ له أن يفعل ما يلي : أولاً : يتفل أو ينفث عن يساره ثلاثاً . ثانياً : أن يستعيذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاثاً , بأن يقول : أعوذ بالله من الشيطان ومن شرها ثلاث مرات. ثالثاً : لا يخبر بها أحداً , فإن فعل ذلك فإنها لا تضره كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم , وإن زاد على ذلك بأن : رابعاً : يتحول عن جنبه الذي نام عليه , فإن كان مستلقياً على ظهره فلينم على جنبه وهكذا . خامساً : وأن يقوم فيصلي ركعتين . وتأمل قول أبي قتادة ومثله أبوسلمة وكيف أنهما يريان الرؤيا تحزنهما بل تمرضهما , ولما طبَّقا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك , قال أبوسلمة : فإن كنتُ لأرى الرُّؤيا أثقلَ عليَّ من الجبلَ، فما هوَ إلا أن سمعتُ هذا الحديثَ فما أُباليها, فحري بمن يهتم ويصيبه القلق حينما يرى ما يكره أن يطبق هذا الهدي النبوي الذي فيه بشارة (فإِنها لا تضرُّه ) - قال النووي : " وإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى كما صرحت به الأحاديث. قال القاضي: وأمر بالنفث ثلاثاً طرداً للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة تحقيراً له واستقذاراً، وخصت به اليسار لأنها محل الأقذار والمكروهات ونحوها واليمين ضدها. " ( انظر شرحه لمسلم , حديث (2261) , كتاب الرؤيا ) ويستفاد من الأحاديث السابقة أن رؤيا المسلم جزء من النبوة , وأن أصدق الناس رؤيا , أصدقهم حديثاً في اليقظة , وهذا من تأثير الصدق وبركته على المسلم حتى حال النوم . - قال ابن حجر : " قال القرطبي : «وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً» وإنما كان كذلك لأن من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه فانتقشت فيه المعاني على وجه الصحة، وكذلك من كان غالب حاله الصدق في يقظته استصحب ذلك في نومه فلا يرى إلا صدقاً وهذا بخلاف الكاذب والمخلط فإنه يفسد قلبه ويظلم فلا يرى إلا تخليطاً وأضغاثاً، وقد يندر المنام أحياناً فيرى الصادق ما لا يصح ويرى الكاذب ما يصح، ولكن الأغلب الأكثر ما تقدم والله أعلم- قال ابن حجر - وهذا يؤيد ما تقدم أن الرؤيا لا تكون إلا من أجزاء النبوة إن صدرت من مسلم صادق صالح " ( انظر الفتح , حديث (7017) , باب القَيد في المنام ) 9- من استيقظ بالليل فإنه يُسنُّ أن يقول هذا الذكر وهو ما جاء في حديث عُبادةَ بنِ الصامِتِ رضي الله عنه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن تَعارَّ منَ الليلِ فقال : لا إلهَ إلا اللّهُ وحدَهُ لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قدير. الحمدُ للَّهِ وسبحان الله ولا إلهَ إلا اللَّهُ واللَّهُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاّ باللّهِ. ثم قال: اللهمَّ اغفِرْ لي ـ أو دَعا ـ استُجيبَ لهُ. فإِنْ توضَّأَ قبلَتْ صلاتُه». رواه البخاري . - قال ابن الأثير : " من تعار من الليل " أي هبَّ من نومه واستيقظ "[ انظر النهاية في غريب الأثر لابن الأثير ص108 مادة (تعر) , وانظر أيضاً لسان العرب لابن منظور تحت مادة (تعر) أيضاً ] وفي هذا الحديث بشارتان عظيمتان , وذلك إذا قال من هبَّ من نومه هذا الذكر وهو (لا إلهَ إلا اللّهُ وحدَهُ لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قدير. الحمدُ للَّهِ وسبحان الله ولا إلهَ إلا اللَّهُ واللَّهُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاّ باللّهِ ) فلمن قال هذا الذكر بشارتان : الأولى : إن قال ( اللهم اغفر لي ) أو دعا فإن دعوته مستجابة . الثانية : إن قام فتوضأ وصلى فصلاته مقبولة . فالحمد لله الذي منَّ علينا بهذه الفضائل , ونسأله التوفيق للعمل . - فائدة : اختُلف في معنى ( تعارَّ ) في الحديث السابق : فقيل : انتبه ، وقيل : تكلم، وقيل : أنََّ وفزع , وقيل : اليقظة مع صوت , وقيل : استيقظ , وقيل غير ذلك . وتقدم قول ابن الأثير وكذا نقله عنه ابن منظور في لسان العرب , أنها بمعنى استيقظ وهبَّ من نومه , وكذا فسرها شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في مجموع فتاواه ( 22/ 479 ) بعد ذكره لحديث عبادة السابق : " فقد أخبر أن هذه الكلمات الخمس، إذا افتتح بها المستيقظ من الليل كلامه، كان ذلك سببًا لإجابة دعائه، ولقبول صلاته، إذا توضأ بعد ذلك" وكذا فسرها الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى والمقالات المتنوعة الجزء (26) صفحة (43) تحت فصل فيما يشرع من الذكر والدعاء عند النوم واليقظة قال بعدما أورد حديث عبادة : " ومعنى قوله (من تعار) أي استيقظ " وهذا من فضل الله الواسع فينبغي لمن بلغه هذا الفضل ألا يفرط فيه , قال ابن حجر : " قال ابن بطال: وعد الله على لسان نبيه أن من استيقظ من نومه لهجاً لسانه بتوحيد ربه والاذعان له بالملك والاعتراف بنعمة يحمده عليها وينزهه عما لا يليق به تسبيحه والخضوع له بالتكبير والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى. " ( انظر الفتح , حديث (1154) , باب فضلِ مَن تعارَّ منَ الليلِ فصلَّى ) وبهذه السنة ننتهي من عرض السنن الموقوتة ؛ لأن ما بعدها هي سنن الاستيقاظ من النوم التي بدأنا بها وأولها السواك وقول " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " [ ومما نُهي عنه في هذا الباب , باب آداب النوم : النوم على البطن , والنوم في سطح غير محجَّر , والنوم وفي يده غِمْر أي أثر دسم لم يغسله , وعدم إطفاء النار عند النوم كما تقدَّم بيانه ] | |
| | | عبد الفتاح احمد المدير العام للمنتدي
عدد المساهمات : 454 نقاط : 150998 العضوية : 0 12/04/2011 العمر : 39
| موضوع: رد: السنة النبوية اليومية للرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل أمور الحياة الجمعة يونيو 03, 2011 12:02 am | |
| السنن الغير موقوتة هي القسم الثاني من السنن اليومية , وهذا النوع من السنن بابه واسع وهو كثير ومنه ما يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والأماكن والأوقات , ولكن سأعرض ما ربما يتكرر غالباً مع تأكدي بأني سأغفل عن بعض السنن بسب أن هذا القسم قسم لا يمكن ضبطه بشيء محدَّد يمكن استقراؤه وإحصاءه , وعلى ربنا أتوكل في ذكر شيء مما أسعفتني به ذاكرتي وبحثي المتواضع , وأول شيء من السنن في هذا القسم سنن الطعام , ولم أضع سنن الطعام ضمن السنن الموقوتة ؛ لأن الأكل والشرب قد يكون عارضاً للإنسان في أي وقت فيحتاج معه تطبيق السنن , ولأن أوقات الأكل وإن كانت في واقعنا اليوم غالباً موقوتة ، إلا إنها في عصر أولئك الأفذاذ عصر الصحابة وكذا التابعين من بعدهم وسلف هذه الأمة ليست موقوتة في الغالب , فهم لا يجدون كثيراً مما نجد, وأقصد من ذلك بأنه ليس عندهم كل يوم وجبات محددة , بل إن غالبهم رحمهم الله يختلف باختلاف حاله هل يجد شيئا من طعام أم لا ؟ فهذا هو نبي الأمة صلى الله عليه وسلم نبراسها وخير البشرية يدخل على عائشة ذَاتَ يَوْمٍ ويقول : «يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» قَالَتْ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ. قَالَ: «فَإِنِّي صَائِمٌ» والحديث رواه مسلم , وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَصلى الله عليه وسلم ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ. فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إلاَّ مَاءٌ. ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى أُخْرَى. فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ. حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذلِكَ: لاَ. وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ. فَقَالَ: «مَنْ يُضِيفُ هَـذَا، اللَّيْلَةَ، رَحِمَهُ اللّهِ» حتى ضيَّفه رجلٌ من الأنصار والحديث رواه مسلم , وهكذا الصحابة وعلى رأسهم العمران أبوبكر وعمر رضي الله عنهما فعند مسلمٍ أيضاً من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ. فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقَالَ «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَـذِهِ السَّاعَةَ؟» قَالاَ: الْجُوعُ. يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: «وَأَنَا. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرَجَنِي الَّذَي أَخْرَجَكُمَا. قُومُوا» فَقَامُوا مَعَهُ. فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ..... (وفيه) : فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ وذَبَحَ لَهُمْ شاة ....( وفي آخر الحديث ) قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَـذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ. ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَـذَا النَّعِيمُ» , وهاهو ناقل السنة أبوهريرة رضي الله عنه كما روى البخاري قال محمد: «كنا عندَ أبي هريرةَ رضي الله عنه وعليه ثوبان ممشقانِ من كتّان، فتمخط فقال: بَخٍ بَخٍ، أبو هريرةَ يتَمخط في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخِرُّ فيما بينَ مِنبر رَسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى حُجرةِ عائشَةَ مَغشيّاً عليّ، فيجيء الجائي فيضَعُ رجلهُ عَلَى عنقي ويُرَى أني مجنون وما بي من جُنون، ما بي إلاّ الجوع» , و ليس فقط أبو هريرة رضي الله عنه بل تأمل حال هؤلاء الذين يسقطون من الجوع في صلاتهم كما روى الترمذي من حديث فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى بالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ في الصَّلاَةِ مِنَ الْخَصَاصَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ حَتَّى تَقُولَ الأعْرَابُ هَؤُلاَءِ مَجَانِينُ أَوْ مَجَانُونُ فَإِذَا صَلَّى رَسُولُ اللهصلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَالَكُمْ عِنْدَ الله لأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدَادُوا فاقَةً وَحَاجَةً». قالَ فَضَالَةُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مَعَ رَسُولِ الله .قال الترمذي : هذا حديثٌ صحيحٌ , وهذا في زمن خير القرون , وما بعده من قرون التابعين والسلف فيه قصص وأخبار تدل على أنهم لا يأكلون إلا إذا وجدوا وليس لهم أوقات محددة في الأكل , لأنهم وإن حددوا ربما لا يجدوا , وليس هذا موطن بسط تلك القصص والأخبار فلله درهم , ونسأله أن يمنَّ علينا بشكره , كما منَّ علينا بنعمته . - سنن في الطعام 1- التسمية أول الطعام . عن عمرَ بن أبي سلمةَ يقولَ: « كنتُ غلاماً في حَجرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت يَدي تطيشُ في الصَّحفةِ، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ياغلامُ، سَمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يَلِيك. فما زالت تلكَ طِعمتي بعدُ». متفق عليه . والأفضل أن يقتصر على ( بسم الله ) كما ورد في النصوص . قال ابن حجر : " المراد بالتسمية على الطعام قول: بسم الله في ابتداء الأكل، وأصرح ماورد في صفة التسمية ماأخرجه أبو داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة مرفوعاً «إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل بسم الله، فإِن نسي في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره» وله شاهد من حديث أمية بن مخشي عند أبي داود والنسائي، وأما قول النووي في أدب الأكل من «الأذكار»: صفة التسمية من أهم ما يبنغي معرفته، والأفضل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإِن قال: بسم الله كفاه وحصلت السنة. فلم أر لما ادَّعاه من الأفضلية دليلاً خاصاً " ( انظر فتح الباري , حديث (5376) , باب التسميةِ على الطعام، والأكل باليمين ) - واختُلف في حكم التسمية : فقيل : سنة , وقيل : واجبة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها , والأحوط للمسلم ألا يتركها . - وإذا نسي التسمية فإنه يُسنُّ أن يقولها إذا تذكرها ( بسم الله أوله وآخره ) لحديث عَائِشَةَ ، أنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا أكَلَ أحَدُكُم فَلْيَذْكُرِ اسْمَ الله فإنْ نَسِيَ أنْ يَذْكُرَ اسْمَ الله في أوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ الله أوَّلَهُ وَآخِرَهُ». رواه أبوداود والترمذي وصححه الألباني . وكذلك دل الحديث على أن الإنسان يأكل بيمينه حتى لا يشابه الشيطان , فالمسلم إذا لم يسمِّ شاركه الشيطان في طعامه , وإذا أكل أو شرب بشماله شابه الشيطان بذلك لأن الشيطان يأكل ويشرب بشماله . ويدل على ذلك : عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا، حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم ، فَيَضَعَ يَدَهُ. وَإنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ، مَرَّةً، طَعَاماً. فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ. فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهَا. ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ. فَأَخَذَ بِيَدِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لاَ يُذْكَرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ. وَإنَّهُ جَاءَ بِهذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا. فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا. فَجَاءَ بِهذَا الأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ. فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا» رواه مسلم . وعن عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ «لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ. وَلاَ يَشْرَبَنَّ بِهَا. فإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا». قَالَ : وَكَانَ نَافِعٌ يَزِيدُ فِيهَا «وَلاَ يَأْخُذُ بِهَا وَلاَ يَعْطِي بِهَا» رواه مسلم . - والصحيح أن الشيطان يأكل حقيقة لظاهر النص السابق . قال ابن حجر : " قال الطيبي : وتحريره لا تأكلوا بالشمال، فإن فعلتم كنتم من أولياء الشيطان، فإِن الشيطان حمل أولياءه على ذلك انتهى. وفيه عدول عن الظاهر، والأولى حمل الخبر على ظاهره وأن الشيطان يأكل حقيقة لأن العقل لا يحيل ذلك، وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله " ( انظر فتح الباري , حديث (5376) , باب التسميةِ على الطعام، والأكل باليمين ) والشيطان حريص في أن يدخل البيوت ليبيت فيها و يشارك أهلها الطعام والشراب عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِـعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ». رواه مسلم 2- الأكل مما يلي للحديث السابق قال النووي : " والثالثة: الأكل مما يليه لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة فقد يتقذره صاحبه لا سيما في الأمراق وشبهها " ( انظر شرحه لمسلم , حديث (2022) , باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما ) وقال ابن حجر : " قلت: ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يأكل بشماله فقال: كل بيمينك . قال: لا أستطيع. قال: لا استطعت. فما رفعها إلى فيه بعد» ( انظر فتح الباري , حديث (5376) , باب التسميةِ على الطعام، والأكل باليمين) 3- أخذ اللقمة الساقطة وإماطة ما بها من أذى و أكلها فمن السنة أن إذا وقعت اللقمة على سفرة الطعام أو غيرها أن يأخذها ويميط ما بها من أذى مما قد يعلق بها , ثم ليأكلها فإن في هذا تطبيق للسنة ,وفيه دحر للشيطان الذي يحرص على مشاركة منْ يأكل ولو بلقمة ساقطة منه ويدل على ذلك : حديث جَابِرٍرضي الله عنه ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ. حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ. فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذَىً. ثُمَّ لْيَأْكُلْهَا. وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ. فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ. فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ». رواه مسلم . والمتأمل للحديث يجد الشيطان حريصاً على مشاركة الإنسان في كل أموره لينزع البركة من حياته ويفسد عليه كثير من شأنه , ومما يدل على حرصه على ملازمة العبد في كل أموره قوله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ » , وجاءت الأدلة مبينة بعض هذه الأمور على وجه الخصوص , منها ما تقدم ذكره في الطعام والمبيت , وسيأتي غير ذلك في السنن القادمة بإذن الله تعالى . 4- لعق الأصابع ولعقها أي لحسها بطرف لسانه , فالسنة أن يلعقها أو يُلعقها غيره كزوجته مثلاً , بل السنة ألا يمسح ما يعلق بيده بمنديل ونحوه حتى يلعقها . ويدل على ذلك : حديث جابررضي الله عنه السابق . وفي الصحيحين من حديث ابنِ عبّاسرضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أكل أحدُكم فلا يَمسحْ يدَه حتىَ يَلعقَها أَو يُلعِقها». وفي حديث جابررضي الله عنه عند مسلم « وَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ. فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ». 5- سلت القصعة والمقصود من سلت القصعة : تنظيف الآكل حافته من الطعام , فمثلاً من يأكل أرزاً فإن السنة ألا يُبْقِي شيئاً في حافته التي يأكل منها , فيمسح ما بقي في حافته ويأكله فقد تكون البركة في هذا المتبقي في حافته. ويدل على ذلك : حديث أنس رضي الله عنه قال : " وَأَمَرَنَا – أي النبي صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ" رواه مسلم . وفي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة صلى الله عليه وسلم : «وَلْيَسْلُتْ أَحَدُكُمُ الصَّحْفَةَ» قال الشيخ ابن عثيمين : " أمره بإسلات الصحن أو القصعة , وهو الإناء الذي فيه الطعام , فإذا انتهيت فأسلته , بمعنى أن تتبع ما علق فيه من طعام بأصابعك وتلعقها . فهذا أيضاً من السنة التي غفل عنها كثير من الناس مع الأسف حتى من طلبة العلم أيضاً , إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم ما زال الأكل باقياً فيها , لا يلعقون ما في الصحفة , وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم " ( انظر شرح رياض الصالحين1/892 ) 6- الأكل بثلاث أصابع والسنة أن يأكل بثلاث أصابع , وهذا فيما يُحمل بثلاث أصابع كالتمر مثلاً , فيُسن أن يأكله بثلاث أصابع . ويدل على ذلك : حديث كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ. وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا. رواه مسلم . قال الشيخ ابن عثيمين : " ينبغي للإنسان أن يأكل بثلاث أصابع : الوسطى والسبابة والإبهام , لأن ذلك أدل على عدم الشَّرَه , وأدل على التواضع , ولكن هذا في الطعام الذي يكفي فيه ثلاث أصابع , أما الطعام الذي لا يكفي فيه ثلاث أصابع مثل الأرز , فلا بأس بأن تأكل بأكثر , لكن الشيء الذي تكفي فيه الأصابع الثلاثة يقتصر عليها , فإن هذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم " ( انظر شرح رياض الصالحين 2/ 1069 ) قال النووي : "وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا تدرون في أيه البركة» معناه والله أعلم أن الطعام الذي يحضره الإنسان فيه بركة ولا يدري أن تلك البركة فيما أكله أو فيما بقي على أصابعه أو فيما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا والله أعلم ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوى على طاعة الله تعالى وغير ذلك" ( انظر شرحه لمسلم , حديث (2033) , باب استحباب لعق الأصابع والقصعة .....) 7- التنفس خارج الإناء ثلاثاً فمن السنة أن يشرب الإناء على ثلاث دفعات ويتنفس بعد كل واحدة . ويدل على ذلك : حديث أَنَسٍرضي الله عنه ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاَثاً، وَيَقُولُ : «إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ». قَالَ أَنَسٌرضي الله عنه : فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاَثاً. متفق عليه . وفي رواية أبي داود «أهنأ» بدل قوله أروى . والمقصود من التنفس في الإناء , التنفس أثناء شربه للإناء , بمعنى أنه يتنفس خارج الإناء , لأن التنفس في الإناء مكروه لحديث أبي قَتادة في الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا شَرِبَ أحدُكم فلا يَتنفَّسْ في الإناء». - قال النووي : " وقوله صلى الله عليه وسلم : «أروى» من الرِّيّ أي أكثر رياً وأمرأ وأبرأ مهموزان، ومعنى أبرأ أي أبرأ من ألم العطش، وقيل أبرأ أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد، ومعنى أمرأ أي أجمل انسياغاً والله أعلم." ( انظر شرحه لمسلم , حديث (2028) , باب كراهة التنفس في نفس الإناء ...) 8- حمد الله بعد الطعام فإنه عند الانتهاء من الأكل أو الشرب من السنة أن يحمد العبدُ ربه على هذه النعمة . ويدل على ذلك : حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللّه لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا. أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا». رواه مسلم . فلو قال الحمد لله بعد انتهائه من الشرب أو الأكل لنال بذلك فضل عظيم وهو رضا الله سبحانه وتعالى , وللحمد صيغ متنوعة منها : أ- « الحمدُ لله كثيراً طيِّباً مُباركاً فيه، غير مَكفِيّ ولا مُودَّع ولا مُستَغنىً عنه ربّنا». رواه البخاري من حديث أبي أمامة . ب- « الحمدُ لله الذي كفانا وأروانا، غيرَ مَكفِيٍٍّ ولا مكفور » رواه البخاري من حديث أبي أمامة أيضاً . (غير مكفي) : أي غير محتاج إلى أحد، فهو الذي يطعم عباده ويكفيهم ، ( ولا مودَّع ) : بفتح الدال وتشديدها أي غير متروك , ( كفانا ) : من الكفاية , و (أروانا) من الرِيّ , (ولا مكفور) : أي مجحود فضله ونعمته . 9- الاجتماع على الطعام فمن السنة الاجتماع على الطعام وعدم التفرق فيه . ويدل على ذلك : حديث جَابِر بْنِ عَبْدِ اللّهِرضي الله عنه ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الإِثْنَيْنِ , وَطَعَامُ الإِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ. وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» رواه مسلم . قال ابن حجر : " وعند الطبراني من حديث ابن عمر ما يرشد إلى العلة في ذلك وأوله: «كلوا جميعاً ولا تفرقوا فإِن طعام الواحد يكفي الاثنين» الحديث فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع، وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة " ( انظر الفتح , حديث (5392) , باب طعامُ الواحِد يَكفِي الاثنَينِ ) قال ابن القيم : " وللتسمية في أول الطعام والشراب , وحمد الله في آخره تأثيرٌ عجيب في نفعه واستمرائه , ودفع مضرته , قال الإمام أحمد : إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل : إذا ذُكر اسم الله في أوله , وحُمد الله في آخره , وكثرت عليه الأيدي , وكان من حِل " ( انظر زاد المعاد 4 / 232 ) 10- مدح الطعام إذا أعجبه فمن السنة مدح الطعام إذا أعجبه , ولا شك أنه لا يمدحه إلا بما فيه . ويدل على ذلك : حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِرضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ , فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلاَّ خَلٌّ , فَدَعَا بِهِ , فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ: «نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ. نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ». رواه مسلم , والخل من أنواع الإدام عندهم وهو حلو ليس حامض كالخل الذي عندنا اليوم . وبوَّب النووي في رياض الصالحين على هذا الحديث ( باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه ) قال الشيخ ابن عثيمين : " وهذا أيضاً من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أعجبه الطعام أثنى عليه , وكذلك مثلاً لو أثنيت على الخبز , قلت : نعم الخبز خبز بني فلان أو ما أشبه ذلك , فهذا أيضاً سنة الرسول صلى الله عليه وسلم " [ انظر شرح رياض الصالحين 2/1057 ] والمتأمل لواقعنا يجد كثيراً ما يقع الناس في خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم , فهم لم يكتفوا بترك السنة بل خالفوها أيضاً وذلك بعيبهم للطعام وذمهم له في بعض الأحيان , وهذا خلاف هديه صلى الله عليه وسلم , ففي الصحيحين من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: «ما عابَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم طعاماً قطُّ: إنِ اشتهاهُ أكلَه، وإن كرِهَهُ تَرَكه».
11- الدعاء لصاحب الطعام ويدل على ذلك : حديث عَبْدِ اللّهِ بْنِ بُسْرٍرضي الله عنه ، . قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي. قَالَ: فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَاماً وَوَطْبَةً , فَأَكَلَ مِنْهَا. ثُمَّ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى , ثُمَّ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ. ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ. قَالَ فَقَالَ أَبِي، وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ: ادْعُ اللّهَ لَنَا , فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ. وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ». رواه مسلم , والوطبة : هي الحيس الذي يجمع التمر البرني والأقط المدقوق والسمن . ولو أخرج مَنْ أكل التمر كما أخرج النبي النواة فهو أفضل ’ فإن الحديث دلَّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج نوى التمر بين السبابة والوسطى وهما مضمومتان . - ومن السنة حتى وإن كان صائماً أن يحضر الوليمة ويدعو لصاحب الطعام ولو لم يأكل . ويدل على ذلك : حديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ». رواه مسلم , ومعنى ( فليصل ) : أي فليدع لهم , لأن الصلاة لغة الدعاء . 12- استحباب أن يسقي الشارب مَن على يمينه قبل يساره والمقصود أنه إذا شرب فمن السنة أن يعطي مَن على يمينه قبل شماله . ويدل على ذلك : حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍرضي الله عنه ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم فِي دَارِنَا , فَاسْتَسْقَى , فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً. ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِي هَـذِهِ , قَالَ: فَأَعْطَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم . فَشَرِبَ رَسُولُ اللّهِ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ وِجَاهَهُ، وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ مِنْ شُرْبِهِ، قَالَ عُمَرُ: هَـذَا أَبُو بَكْرٍ. يَا رَسُولَ اللّهِ يُرِيهِ إيَّاهُ. فَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ الأَعْرَابِيَّ ، وَتَرَكَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ , وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «الأَيْمَنُونَ ، الأَيْمَنُونَ، الأَيْمَنُونَ». قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه : فَهْيَ سُنَّةٌ، فَهْيَ سُنَّةٌ ، فَهْيَ سُنَّة . متفق عليه . وحديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ. فَشَرِبَ مِنْهُ. وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ. فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَـؤُلاَءِ؟» فَقَالَ الْغُلاَمُ: لاَ. وَاللّهِ لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَداً. قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ. متفق عليه . قال النووي : "في هذه الأحاديث بيان هذه السنة الواضحة، وهو موافق لما تظاهرت عليه دلائل الشرع من استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام ، وفيه أن الأيمن في الشراب ونحوه يقدَّم وإن كان صغيراً أو مفضولاً، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدَّم الأعرابي والغلام على أبي بكر رضي الله عنه . وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف ولهذا يقدَّم الأعلم والأقرأ على الأسن النسيب في الإمامة في الصلاة." (انظر شرحه لمسلم , حديث (2029) , باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما على يمين المبتدئ )
13- ساقي القوم آخرهم شرباً فمن يسقي القوم السنة أن يكون آخر القوم شرباً . ويدل على ذلك : حديث أبي قتادة رضي الله عنه الطويل وفيه قال : «... فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ. حَتَّى مَا بَقِيَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: «اشْرَبْ» فَقُلْتُ: لاَ أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: «إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْباً» قَالَ: فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ رَسُولُ اللّهِ .... » رواه مسلم . فائدة:ومن السنَّة لمن شرب لبناً أن يتمضمض بالماء بعد شربه للبن ليزيل ما في فمه من الدسم الذي يكون من اللبن . ويدل على ذلك :حديث ابْنِ عَبَّاسٍرضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَناً , فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ، وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَماً» متفق عليه . 14- تغطية الإناء وذكر اسم الله عند قدوم الليل يسنُّ تغطية الإناء المكشوف عند قدوم الليل , وإيكاء السقاء أي إغلاقه إن كان له غلقاً , وذكر اسم الله عند ذلك . ويدل على ذلك : حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: «غَطُّوا الإِنَاءَ. وَأَوْكُوا السِّقَاءَ. فَإنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ. لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلاَّ نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذلِكَ الْوَبَاءِ». رواه مسلم , وعند البخاري من حديث جابرٍ أيضاً: « وأوكوا قِرَبَكم واذكروا اسم الله، وخَمِّروا آنِيَتَكم واذكروا اسم الله، ولو أن تَعرُضوا عليها شيئاً ». وفي الحديث بيان العلَّة التي من أجلها أُمر المسلم بإغلاق وتخمير ( أي تغطية ) كل إناء , وذلك أنه في كل سنة في إحدى لياليها ينزل وباء , والوباء هو المرض , فلا يترك إناء و لا سقاء مكشوفاً إلا نزل فيه , فكم من إنسان أصابه المرض بعد شربه لإناء مكشوف أصابه ما نزل من الوباء ولا يعلم أنه بسبب تفريطه بهذه السنة ! فيا الله ما أعظم شريعتنا فيها الخبر عن نفع العبد وصحته في الدنيا والآخرة ! ويا الله ما أعظم غفلتنا وتفريطنا في استحضار عظمة ديننا ! وفي الحديث دلالة على أهمية الحفاظ على هذه السنة , حتى أرشد النبي صلى الله عليه وسلم , إلى أدنى الأمور بأن من لم يجد ما يغطِّي به إناءه أن يعرض على إناءه شيئاً ولو عوداً , وجاء عند البخاري ما يبيِّن أن التغطية للطعام والشراب , وليس خاصاً بالشراب فقط , فعن جابر رضي الله عنه : «أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: أطفِئوا المصابيحَ إذا رَقَدْتم، وغَلِّقوا الأبواب، وأوْكوا الأسقيةَ وخَمِّروا الطعامَ والشراب ـ وأحسِبُه قال ـ ولو بعُودٍ تَعرُضهُ عليه». وفي حديث جابررضي الله عنه عند مسلم في رواية أخرى ما يدل على أن هناك علة أخرى من تغطية الأواني وهي أن الشيطان حريص على إفساد طعام الإنسان واستحلاله , قال النبي صلى الله عليه وسلم : «غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ. فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَحُلُّ سِقَاءً، وَلاَ يَفْتَحُ بَاباً، وَلاَ يَكْشِفُ إِنَاءً. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُوداً، وَيَذْكُرَ اسْمَ اللّه » وفي الحديث بيان سنة أخرى وهي عند إيكاء السقاء وتغطية الإناء يسن ذكر اسم الله تعالى , كأن يقول بسم الله ولا شك أن في هذا إبعاد للشياطين أن تستحله . وهنا وقفة : تأمل أخي المبارك كيف أن الشيطان حريص على ملازمة العبد , وإفساد أمور دينه ودنياه فهو كما تقدَّم , يأكل ويشرب , ويبيت , ويبول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه في الرجل الذي نام ليلةً حتى أصبح قال : " ذاك رجلٌ بال الشيطان في أذنه أو أذنيه " , ويضحك وذلك إذا تثاءب الإنسان ولم يكظم أو يغطِّ فاه كما سيأتي , ويبكي وذلك إذا سجد العبد في سورة فيها سجدة اعتزل الشيطان يبكي يقول أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار " والحديث رواه مسلم , ويهرب وله ضراط عند الأذان كما في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم «إِذا نُودِيَ للصَّلاةِ أدبرَ الشيطانُ وله ضُراطٌ حتى لا يَسمعَ التَّأْذينَ، فإذا قُضِيَ النِّداءُ أقبلَ، حتّى إِذا ثُوِّبَ بالصلاةِ أدبرَ، حتّى إذا قُضِي التثويبِ أَقبلَ حتى يَخْطُرَ بينَ المرءِ ونفسهِ يقول: اذكُرْ كذا، اذكر كذا ـ لما لم يَكنْ يَذكرُ ـ حتّى يَظلَّ الرجلُ لا يَدرِي كم صلَّى» , ويجلس بين الظل والشمس ولذا نُهي عن ذلك كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وصححه الألباني , ويمشي بنعل واحدة كما عند الطحاوي وصححه الألباني ولذا جاء في الصحيحين النهي عن المشي بنعل واحدة , وأحب العمل إليه الإفساد والتفريق بين الزوجين كما جاء عند مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ. ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ . فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً. يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئاً. قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ» , ومفتاح عمله (لو) كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرةرضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : « وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كان كذا وكذا لم يُصبني كذا. وَلكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللّهِ. وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ». وهو حريص على إفساد صلاة العبد كما تقدم وكما في حديث عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ عند مسلم أنه أَتَى النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاَتِي وَقِرَاءَتِي. يَلْبِسُهَا عَلَيَّ , فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبٌ . فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللّهِ مِنْهُ. وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثاً». قَالَ: فَفَعَلْتُ ذلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللّهُ عَنِّي . ومن خلال ما سبق فهو يحضر العبد في طعامه , وشرابه , ومبيته , وفراشه , وفي تثاؤبه , وفي صلاته , ويبول , ويضحك , ويفرق بين الزوجين , ويفسد على العبد عبادته , وعقيدته أيضاً ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول: من خَلَقَ كذا ؟ من خَلقَ كذا ؟ حتى يقول: من خَلقَ ربَّك ؟ فإذا بلَغَهُ فَليَسْتعِذْ باللهِ ولْيَنْتَهِ». وجماع ذلك وأكثر أنه يحضر في كل شيء من شؤون العبد كما تقدم لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ », ولذا على العبد أن يكون حذراً من وسوسته وإفساده , لئلا يفقد كثيراً من أمور الخير , ولئلا تنزع البركة من كثير من شؤونه , ولذا لابد أن يكون حذراً منه حتى عند جماعه لأهله فقد جاء في الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ: بِاسْمِ اللّهِ. اللّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ. وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ، إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُم وَلَدٌ فِي ذَلِك، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَداً» , وكذا في قراءته لآية الكرسي عند نومه إبعاد للشيطان حتى يصبح كما ثبت عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والله أعلم . [ ومما نُهي عنه في هذا الباب , باب الطعام والشراب : الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة , وأكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير , والشرب قائماً لغير حاجة , والنفخ في الإناء والتنفس فيه , والأكل متكئاً , والأكل بالشمال , والقران بين التمرتين ( وذلك إذا كان الإناء مشتركاً بين جماعة فإنه يُنهي عن أخذ اثنتين حتى يستأذن من معه ويقاس على التمر بقية الأصناف التي على شاكلته ) , وعيب الطعام , والشرب من فم السقاء أو القربة لغير حاجة ( وذلك إذا كان مشتركاً وأما إن كان خاصاً به فلا بأس إن عُلمت نظافتها ) , والإكثار من الطعام , والصلاة بحضرة الطعام إذا كان يشتهيه .
- سنن في السلام واللقاء والمجالسة : 1- من السنة إلقاء السلام والأدلة على السنية كثيرة مستفيضة , ومنها حديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ». قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ. وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ. وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللّهَ فَسَمِّتْهُ. وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ. وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ». رواه مسلم . ووجه الشاهد «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ » , وكذلك فعل النبيصلى الله عليه وسلم وصحابته في أحاديث كثيرة تدل على سنية ذلك . وأما ردُّه فهو واجب وأدلة ذلك كثيرة منها قوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها أن الله كان على كل شيء حسيباً ) ونقل الإجماع على وجوب الرد غير واحد من أهل العلم منهم ابن حزم , وابن عبدالبر والشيخ تقي الدين وغيرهم . ( انظر الآداب الشرعية (1/356) ط مؤسسة الرسالة ) وأفضل لفظ بالسلام والردّ وأكمله هو ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) فإن هذه أحسن تحية وأكملها . قال ابن القيم ( في زاد المعاد 2/417 ) : " وكان هديه – أي النبيصلى الله عليه وسلم – انتهاء السلام إلى ( وبركاته ) " وقال ابن عبدالبر ( في التمهيد 5/293 ) : " وقال ابن عباس وابن عمر : انتهى السلام إلى البركة , كما ذكر الله سبحانه وتعالى عن صالح عباده : ( رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت )وكانا يكرهان أن يزيد أحد في السلام على قوله : وبركاته " وبناءً عليه فلا تثبت زيادة ( ومغفرته ) في السلام . قال ابن القيم ( في المرجع السابق ) : " وذكره أبو داود من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه , وزاد فيه : ( ثم أتى آخرٌ فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال : ( أربعون ) فقال : هكذا تكون الفضائل ) ولا يثبت هذا الحديث , فإن له ثلاث علل ..... " ثم ذكر العلل رحمه الله . وإفشاء السلام سنة بل سنة مرغَّب بها بفضل عظيم , لحديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا. وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَينَكُمْ». رواه مسلم . 2- استحباب تكرار السلام ثلاثاً إن دعت الحاجة لذلك كأن يشك في سماع المُسَلَّم عليه حينما سلَّمَ عليه أول مرة فيستحب أن يكرر مرتين وإن لم يسمع فثلاثاً , وكذا إذا دخل على جمع كثير كأن يدخل على مجلس كبير فيه جمع كثير , فلو سلَّم مرة في أول دخوله لم يسمعه إلا من كان أول المجلس فيحتاج إلى أن يسلِّم ثلاثاً من أجل أن يستوعب جميع مَن في المجلس . ويدل على ذلك : حديث أنسٍرضي الله عنه عنِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا تكلَّم بكلمةٍ أَعادَها ثلاثاً حتّى تُفهمَ عنه، وإذا أتى على قومٍ فسَلَّمَ عليهم سَلَّم عليهم ، ثلاثاً. رواه البخاري . قال ابن حجر : " وأن السلام وحده قد يشرع تكراره إذا كان الجمع كثيراً ولم يسمع بعضهم وقصد الاستيعاب، وبهذا جزم النووي في معنى حديث أنسرضي الله عنه ، وكذا لو سلم وظن أنه لم يسمع فتسن الإِعادة فيعيد مرة ثانية وثالثة ولا يزيد على الثالثة " ( انظر الفتح , حديث (6244) , باب التسليم والاستئذان ثلاثاً ) - ويؤخذ من حديث أنسرضي الله عنه السابق سنيَّة إعادة الكلمة ثلاثاً إذا دعت الحاجة للتكرار كأن يتكلم ولا تفهم عنه الكلمة فيُسُّ أن يكررها فإن لم تفهم كررها الثالثة . قال الشيخ ابن عثيمين : " لكنه يتكلم ثلاثاً إذا لم تفهم الكلمة عنه , أما إذا فهمت فلا يكرر , لكن لو لم تفهم لكون المخاطب ثقيل السمع , أو لكثرة الضجة حوله أو ما أشبه ذلك فليعد مرتين , فإن لم تكف فثلاث " ( انظر شرح رياض الصالحين لشيخنا 2/1146 ) 3- من السنة تعميم السلام على من عرفت ومن لم تعرف لحديث عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم : أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ. وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». رواه البخاري ومسلم . وأما إذا كان السلام من حيث إفشائه على الخاصة الذين تعرفهم فقط فهذا إفشاء مخالف للسنة , وهو من علامات الساعة كما جاء في مسند الإمام أحمد وصححه الألباني من حديث ابن مسعود قال النبيصلى الله عليه وسلم : « إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة» وفي رواية : «إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة» وفي رواية : «بين الساعة تسليم الخاصة ». 4- السنة أن يكون ابتداء السلام ممن جاءت السنة بابتدائه عن أبي هُرَيْرَةَرضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهصلى الله عليه وسلم : «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، والمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ». رواه البخاري ومسلم , وفي رواية للبخاري : «يَسلِّمُ الصغيرُ على الكبير والمار على القاعد، والقليل على الكثير». و لا يعني مخالفة الأولى بالسلام الكراهة بل لا بأس به ولكنه خلاف الأولى كأن يسلم الكبير على الصغير , أو الماشي على الراكب ونحو ذلك , فإن تكافأ الوصفان بأن كان راكب وراكب آخر فأيهما يبدأ بالسلام ؟ أو كأن يكون جماعة وجماعة أخرى متكافئة في العدد فأيهما يبدأ ؟ الحق مشترك حينئذ لتكافئهما فالخيريَّة لمن يسبق في السلام , فخيرهما الذي يبدأ بالسلام , لحديث أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ. يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هذَا وَيُعْرِضُ هذَا. وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ». رواه البخاري ومسلم .
5- من السنة السلام على الصبيان لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه : « أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللّهِصلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ » رواه البخاري ومسلم . وفي السلام على الصبيان حملٌ للنفس على التواضع , وتعويد للصبيان على هذه الشعيرة وإحياؤها في نفوسهم . 6- من السنة السلام عند دخول البيت وهذا يدخل في عموم السلام , وذلك بعدما يستاك , لأن السواك سنة عند دخول المنزل وهذا هو الموضع الرابع من مواضع تأكد سنية السواك وهو عند دخول المنزل , لحديث عائشة عند مسلم قالت : أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ. , فإذا بدأ بيته بالسواك دخل وسلَّم على أهل البيت , حتى أن بعض أهل العلم قال من السنة أن تسلِّم إذا دخلت البيت وأي بيت ولو لم يكن فيه أحد , لقوله تعالى ( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحيةً من عند الله مباركةً طيبةً )قال ابن حجر : " ويدخل في عموم إفشاء السلام على النفس لمن دخل مكاناً ليس فيه أحد، لقوله تعالى..." ( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم) ( انظر فتح الباري , حديث (6235) , باب إِفشاءِ السلام ) والسنة أن يسلِّم على أهل أي بيت يدخله , لقوله تعالى : ( يآ أيها الذين ءامنوا لاتدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) فائدة : تحصَّل مما سبق أنه يُسنُّ عند دخول المنزل ثلاث سنن : الأولى : ذكر اسم الله تعالى لاسيما ليلاً لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِرضي الله عنه ، أَنَّهُ سَمِـعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ». رواه مسلم الثانية : السواك لحديث عائشة وقد تقدَّم . الثالثة : السلام على أهل البيت . 7- من السنة خفض الصوت بالسلام إذا دخل على قوم وفيهم نائمون وهكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث المقداد بن الأسود ففيه قال : ..... فَكُنَّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنَّا نَصِيبَهُ. وَنَرْفَعُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَصِيبَهُ. قَالَ: فَيَجِيءُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيماً لاَ يُوقِظُ نَائِماً. وَيُسْمِـعُ الْيَقْظَانَ . رواه مسلم .
8- من السنة تبليغ السلام فتبليغ السلام سنة – على خلاف بين أهل العلم كما سيأتي باختصار - كأن يقول لك شخص ( سلِّم لي على فلان ) , فإن من السنة أن توصِّل هذا السلام لصاحبه . ويدل على ذلك : لحديث عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: «إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ » قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللّهِ. رواه البخاري ومسلم , ففي الحديث إيصال السلام لصاحبه كما أوصل النبي صلى الله عليه وسلم سلام جبريل على عائشة , ويؤخذ من الحديث السابق أيضاً سنية بعث السلام مع أحد . - اختُلف في حكم تبليغ السلام إذا أُوكِل لشخص أن يحمل سلاماً ويوصله لشخص آخر , كأن يقول له : ( سلِّم لي على فلان ) هل يجب على الحامل للسلام أن يبلِّغ السلام أو لا على قولين : قيل : يجب , لأنهم شبهوه بالأمانة وإيصال الأمانة واجب , واختاره النووي . وقيل : لا يجب بل سنة , لأنهم شبهوه بالوديعة , والوديعة لا يُلزم مَنْ أخذها بتحملها , إلا إذا تكفل بها , واختاره ابن حجر . والأظهر والله أعلم : القول الثاني وأن تبليغ السلام سنة في الأصل , إلا أن يستأمنه المُسَلِّم , فيقول له ( أمانة معك أن توصل السلام لفلان ) أو نحوها من العبارات التي تُقيَّد بكونها أمانة , ويقبل بتوصيلها وتحملها المبلِّغ . وبعض العلماء ومنهم ابن حجر قالوا بسنية الرد على من حمل السلام أيضاً مع الرد على مَن سلَّم , فيكون لحامل السلام أيضاً نصيباً من السلام فالأفضل لمن نُقل له سلاماً أن يقول لحامل السلام : عليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته , ونحو ذلك . واستدل ابن حجر بدليلين : أحدهما : حديث رجل من الصحابة عند أحمد وأبي داود وحسنه الألباني , وموطن الشاهد أن رجلاً أوصل سلام أبيه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبيصلى الله عليه وسلم للرجل : «عليك وعلى أبيك السلام» , والآخر : حديث أنس عند النسائي , وموطن الشاهد قول خديجة لما بلَّغها عن جبريل سلام الله عليها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : « وعليك وعلى جبريل السلام » - قال ابن حجر في شرحه لحديث عائشة السابق : " قال النووي: في هذا الحديث مشروعية إرسال السلام، ويجب على الرسول تبليغه لأنه أمانة، وتعقب بأنه بالوديعة أشبه، والتحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه الأمانة وإلا فوديعة والودائع إذا لم تقبل لم يلزمه شيء. قال: وفيه إذا أتاه شخص بسلام من شخص أو في ورقة وجب الرد على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ كما أخرج النسائي عن رجل من بني تميم أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم سلام أبيه، فقال له «وعليك وعلى أبيك السلام» وقد تقدم في المناقب أن خديجة لما بلغها النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل سلام الله عليها قالت «إن الله هو السلام ومنه السلام، وعليك وعلى جبريل السلام» ولم أر في شيء من طرق حديث عائشة أنها ردت على النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل على أنه غير واجب " ( انظر الفتح , حديث (6253) , باب إذا قال: فلانٌ يُقرئك السلام ) 9- السلام عند دخول المجلس وعند مفارقته أيضاً فيسنُّ لمن أراد أن يقوم من المجلس ويفارقه أن يسلِّم عليهم قبل أن يفارقهم كما سلَّم عليهم حين قدم عليهم. لحديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قال قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فلَيْسَتِ الأولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ». رواه أحمد وأبوداود والترمذي وقال : هذا حديثٌ حسنٌ. وقال الألباني : حسن صحيح . 10- تسنُّ المصافحة مع السلام عند اللقيا وعلى هذا عمل الصحابة رضي الله عنهم , دلَّ على ذلك : حديث قَتادةَ قال: « قلتُ لأنس: أكانتِ المصافحة في أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم ». رواه البخاري . 11- يُسنُّ التبسم وطلاقة الوجه عند اللقاء لحديث أَبِي ذَرَرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ». رواه مسلم , وعند الترمذي من حديث أبي ذررضي الله عنه قالَ رَسُولُ اللهصلى الله عليه وسلم : «تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ » . 12- تسنُّ الكلمة الطيبة فهي صدقة وسواء كانت عند اللقاء أو المجالسة أو في أي حال فالكلمة الطيبة سنة لأنها صدقة . ويدل على ذلك : حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» رواه البخاري ومسلم . وحديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم النَّارَ فَأعْرَضَ وَأَشَاحَ. ثُمَّ قَالَ «اتَّقُوا النَّارَ». ثُم أَعْرَضَ وَأَشَاحَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ:«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ »رواه البخاري ومسلم. وكثيراً ما يجري على ألسنة الناس كلاماً طيباً لو احتسبوه لأُجروا على ذلك كثيراً , و
| |
| | | عبد الفتاح احمد المدير العام للمنتدي
عدد المساهمات : 454 نقاط : 150998 العضوية : 0 12/04/2011 العمر : 39
| موضوع: رد: السنة النبوية اليومية للرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل أمور الحياة الجمعة يونيو 03, 2011 12:05 am | |
| وكثيراً ما يجري على ألسنة الناس كلاماً طيباً لو احتسبوه لأُجروا على ذلك كثيراً , وأخذوا من هذه الصدقات بحظ وافر. قال الشيخ ابن عثيمين : " كلمة طيبة مثل أن تقول له : كيف أنت ؟ كيف حالك ؟ كيف إخوانك ؟ كيف أهلك ؟ وما أشبه ذلك , لأن هذه من الكلمات الطيبة التي تدخل السرور على صاحبك , كل كلمة طيبة فهي صدقة لك عند الله وأجر وثواب " ( انظر شرح رياض الصالحين لشيخنا ( 2/996 ) باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء ) 13- استحباب ذكر الله تعالى في المجلس والأحاديث في فضائل مجالس الذكر والحث عليها كثيرة , ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله ملائكة يَطوفون في الطرُقِ يَلتمِسونَ أهلَ الذكر، فإذا وَجَدوا قوماً يذَكرون الله تَنادَوا هَلمُّوا إلى حاجَتِكم، قال: فيَحفُّونهم بأجنِحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم عز وجل - وهوَ أعلمُ منهم- مايقول عبادِي؟ قال: تقول: يُسبّحونك ويُكبرونك ويَحمدونك ويُمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأَوك. قال: فيقول: كيفَ لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأَوكَ كانوا أشدَّ لك عبادةً، وأشدَّ لك تمجيداً، وأكثر لك تَسبيحاً. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنَّة. قال: يقول: وهل رأَوها؟ قال: يقولون: لا واللهِ يا رب ما رأوها. قال: فيقول: فكيفَ لو أنهم رأَوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشدَّ عليها حرصاً، وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوَّذُون؟ قال: يقولون: منَ النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدَّ منها فِراراً، وأشدَّ لها مخافة. قال: فيقول: فأُشهِدُكم أني قد غَفرتُ لهم. قال: يقول مَلَكٌ من الملائكة فيهم: فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلَساء لا يَشقى بهم جَليسهم» رواه البخاري ومسلم . ولمجالس الذكر فضائل كثيرة ليس هذا موطن بسطها – فينبغي لمن جلس مجلساً ألا يقوم إلا وقد ذكر الله فيه , وجاء في السنة ما يدل على ذمِّ المجالس التي لا يُذكر الله فيها ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قالَ : قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرونَ الله فِيهِ إِلاَّ قَامُوا عنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني . 14- يسنُّ ختم المجلس بكفارة المجلس لحديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ جَلَس في مَجْلِسٍ فَكثُرَ فيهِ لَغَطُهُ ؟ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ: سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أن لاَ إلَهَ إلاّ أنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلاّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ» . وهذا لفظ الترمذي , ورواه أحمد وأبوداود من حديث عبدالله بن عمرو , ورواه النسائي من حديث عائشة وقال ابن حجر في آخر شرح الفتح : "سنده قوي" وكذلك صححه في نكته على ابن الصلاح , والحديث بجموع طرقه يقوى وصححه الشيخ الألباني . [ ومما نُهي عنه في هذا الباب , ابتداء أهل الكتاب بالسلام , مصافحة المرأة الأجنبية , والخلوة بها , لا يؤم الزائر صاحب البيت بالصلاة إلا بإذنه , إقامة الشخص من مجلسه والجلوس فيه , التفريق بين اثنين في المجلس بدون إذنهما , تناجي اثنين دون الثالث , سماع حديث قوم وهم له كارهون , تحديث الشخص بكل ما سمعه من الناس لأن في كلام الناس ما هو كذب , وترويع المسلم , التكبر في المشي , والتجسس على المسلمين , وآفات اللسان كالكذب وإضحاك القوم كذباً وكالغيبة والنميمة واللعن والطعن والفحش والجدال المذموم والخصومة , والحلف بغير الله , وكثرة الحلف بالله لاسيما في البيع والشراء , والتفاخر والطعن في الأنساب , واحتقار الآخرين , والشماتة بالمسلمين وغيرها من آفات اللسان , وكذلك الحسد وسوء الظن والغل وغيرها من الآفات القلبية ] - سنن في اللباس والزينة 1- من السنة التيامن في التنعُّل من السنة إذا أراد المسلم أن يلبس نعليه أن يبدأ باليمنى , ومن السنة إذا أراد أن ينزع نعليه أن يبدأ باليسرى . ويدل على ذلك : حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا انتعلَ أحدُكم فلْيَبدَأ باليمين ، وإِذا نَزَعَ فليبدأ بالشمال، لِتكنِ اليمنى أولهما تُنعل، وآخِرَهما تُنزَع». رواه البخاري , وجاء عند مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أيضاً ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى , وَإذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ. وَلْيُنْعِلْهُمَا جَمِيعاً. أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعاً». وفي لفظ آخر لمسلم : «لاَ يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ. لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعاً، أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعاً». وفي لفظ : «إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَمْشِ فِي الأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا» , والشسع : يقال للسير من سيور النعال شسع . ففي هذين الحديثين ثلاث سنن : - أن يبدأ باليمنى عند لبس النعال . - أن يبدأ باليسرى عند نزع النعال . - أن يلبس النعلين جميعاً أو يخلعهما جميعاً بحيث لا يمشي بنعل واحدة , بل جاء النهي عن المشي بنعل واحدة , كما في الرواية الأخرى «لاَ يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَة ». - فإن قيل ما الحكمة في النهي عن المشي بنعل واحدة ؟ قال النووي : " يكره المشي في نعل واحدة أو خف واحد أو مداس واحد لا لعذر ودليله هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم. قال العلماء: وسببه أن ذلك تشويه ومثله ومخالف للوقار، ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر مشيه وربما كان سبباً للعثار، وهذه الآداب الثلاثة التي في المسائل الثلاث مجمع على استحبابها وأنها ليست واجبة، وإذا انقطع شسعه ونحوه فليخلعهما ولا يمشي في الأخرى وحدها حتى يصلحها وينعلها كما هو نص في الحديث " ( انظر شرحه لمسلم , حديث (2097) , باب استحباب لبس النعال في اليمنى أولاً والخلع من اليسرى أولاً , وكراهة المشي في نعل واحدة ) وجاء أيضاً في بيان الحكمة من النهي عن المشي بنعل واحدة غير ما ذكره النووي بأن الشيطان يمشي بنعل واحدة , إن صح ما أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار : عن أبي هريرةرضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الشيطان يمشي في النعل الواحدة " صححه الألباني ( انظر السلسلة الصحيحة ( 1/616 ) رقم ( 348 ) ) - وأيضاً من السنة الصلاة بالنعال , لحديث سعيد بن يزيدَ قال: سألتُ أنسَ بنَ مالكٍ رضي الله عنه : أَكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي في نَعلَيْهِ؟ قال: نعم. رواه البخاري ومسلم , وجاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود حديث شَدَّادِ بنِ أَوْسٍرضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «خَالِفُوا الْيَهُودَ فإِنَّهُمْ لا يُصَلُّونَ في نِعَالِهِمْ وَلاَ خِفَافِهِمْ». - ومما ينبغي التنبيه عليه أن السنة إذا كان تطبيقها يؤدِّي إلى مفسدة , فإن درء هذه المفسدة يُقدَّم , ومن ذلك ما ربما يفعله بعض الحريصين على السنة فيطبِّق هذه السنة في مساجدنا اليوم وربما يحصل له نزاع واستنكار من بعض العوام الذين يجهلون هذه السنة – ومثل هذا الصنيع يختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر من حيث درء المفسدة وحصولها – وحينئذ لا تُطبَّق هذه السنة والحالة هذه , لوجود هذه المفسدة , وإن أُمنت المفسدة لابد من التنبه لأمر آخر ألا وهو تلويث المساجد بما قد يعْلُق بفرشها من أذى هذه النعال فيؤدِّي إلى اتساخها , وحينئذ يتأكد عدم تطبيق هذه السنة لهذه العلَّة أيضاً إن كانت حاصلة , وفي السنة النبوية كثير من النصوص التي تحث على صيانة المساجد وتنظيفها وإماطة ما فيها من أذى , وأن البزاق فيها خطيئة وكذا سائر الأذى فإنه من مساوئ الأعمال . على أنه لا يُفهم مما سبق التهاون في هذه السُنَّة والتزهيد في تطبيقها – معاذ الله - وما جري قلمي في ميدان هذه الصفحات البيضاء إلا من أجل بيان السنة والحث عليها والتمسك بها , وللمسلم أن يطبق هذه السنَّة في كثير من المواطن كأن يصلي بنعليه في بيته أو عندما يخرج للنزهة أو في السفر أو في مسجد اعتادوا على تطبيق هذه السنَّة ونحو ذلك من المواطن التي يمكن فيها تطبيق هذه السنة , نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يحيا على السنة ويموت عليها , ويجنبنا البدع والفتن ما ظهر منها وما بطن , إنه للدعاء سميع , وبالإجابة قدير , وهو رحيم كريم , فنسأله من جوده الواسع العظيم , لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين . 2- من السنة لبس البياض من الثياب والمقصود أن يلبس من الألوان في ثيابه الأبيض فإنه من السنة ؛ لحديث ابنِ عَبَّاسٍ ، قالَ : قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُم الْبَيَاضَ فإنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكم، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُم ». رواه أحمد وأبوداود والترمذي . والأصل في الأوامر والنواهي أنها خطاب للأمة جمعاء رجالاً ونساءً , حتى يأتي دليل يدل على خصوصية الرجال أو النساء , وفي الحديث السابق لا مخصِّصَ لأحدهما عن الآخر , ولكن قد يقال بأن سنية البياض للرجال فقط في مجتمع لم يكن من عادة نسائه لبس البياض لئلا يشابه لباسُ النساء لباسَ الرجال كما هو حال مجتمعنا اليوم , ولكن إن كان من عادة نسائه لبس البياض بأن كان هذا شيئاً مشتهراً بين المجتمع فالأصل أن الخطاب للجميع , فيقال الأصل أن المرأة مخاطبة بهذه السنة كالرجل ما لم يترتب على ذلك محذور , فإن ترتب عليه محذور بأن كان فيه تشبه بالرجال , أو كان لباس شهرة ملفت للنظر , أو خالف سترها , فكل هذا ليس فقط خلاف السنة , بل هو خلاف الشرع والله أعلم . - قال الشيخ ابن عثيمين : " وهو شامل للبس الثياب البيض : القمص , والأُزر , والسراويل , كلها مما ينبغي أن تكون من البياض , فإنه أفضل , ولكن لو أنه لبس من لون آخر فلا بأس , بشرط ألا يكون مما يختص لبسه بالنساء" ( انظر شرح رياض الصالحين لشيخنا 2/1087 ) ولا يعني ما تقدم أنه يحرم على المرأة لبس البياض بل هو جائز في حقِّها إذ لا دليل على نهي النساء عن ذلك , ولكن الشأن أن تكون سنة محثوثاً عليها وحينئذ تحرص بعض النساء على التطبيق ويخالفن ما هو مشتهر لبسه للنساء ويقاربن لباس الرجال فحينئذٍ يقع التشبه بالرجال , بخلاف ما لو كان لبس البياض مشتهراً بين النساء فلا تشبه حينئذٍ وتكون المرأة مخاطبة بحديث ابن عباس كما أن الرجل مخاطب بذلك والله أعلم . 3- من السنة استعمال الطيب فاستعمال الطيب سنة ويتأكد في مواطن – سيأتي بيان بعضها – ومما يدل على سنية التطيب : 1- حديث أَنَسٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «حُبِّبَ إلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ» رواه أحمد والنسائي , وقال الألباني في صحيح النسائي : حسن صحيح . وأما لفظ : " حبب إليَّ من دنياكم ثلاث " فضعيف . - قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة منه إلى أصحابه وهو في حبس الإسكندرية : " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حبب إلى من دنياكم النساء والطيب)، ثم يقول: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) ولم يقل: حبب إلى من دنياكم ثلاث. كما يرفعه بعض الناس، بل هكذا رواه الإمام أحمد والنسائي أن المحبب إليه من الدنيا النساء والطيب. وأما قرة العين، تحصل بحصول المطلوب وذلك في الصلاة " ( انظر مجموع الفتاوى (28/31) ) 2- وعن أنسٍ رضي الله عنه أيضاً قال: «ما مَسِسْت حريراً ولا ديباجاً ألينَ من كفِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ولا شَمِمْتُ ريحاً قطُّ ـ أو عَرفاً قطُّ ـ أطيبَ من ريح ـ أو عَرف ـ النبيِّ صلى الله عليه وسلم » رواه البخاري. والديباج : نوع من أنواع الحرير , والعَرف : هو الريح الطيب . 3- وعَنْ نَافِـعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اسْتَجْمَرَ اسْتَجْمَرَ بِألُوَّةٍ، غَيْرَ مُطَرَّاةٍ. وَبِكَافُورٍ، يَطْرَحُهُ مَعَ الأَلُوَّةِ. ثُمَّ قَالَ: هَـكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم . قال النووي : " الاستجمار هنا استعمال الطيب والتبخر به مأخوذ من المجمر وهو البخور، وأما الألوة فقال الأصمعي وأبو عبيد وسائر أهل اللغة: والغريب هي العود يتبخر به.... وقوله: (غير مطراة) أي غير مخلوطة بغيرها من الطيب، ففي هذا الحديث استحباب الطيب للرجال كما هو مستحب للنساء لكن يستحب للرجال من الطيب ما ظهر ريحه وخفي لونه، وأما المرأة فإذا أرادت الخروج إلى المسجد أو غيره كره لها كل طيب له ريح، ويتأكد استحبابه للرجال يوم الجمعة والعيد عند حضور مجامع المسلمين ومجالس الذكر والعلم وعند إرادته معاشرة زوجته ونحو ذلك والله أعلم. " ( انظر شرح مسلم , حديث (2254) , باب استعمال المسك وأنه أطيب الطيب وكراهة رد الريحان والطيب ) - وكان يكره صلى الله عليه وسلم أن توجد منه ريح كريهة : فقد جاء عند البخاري في حديث طويل عن عائشة قالت : «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح» أي الريح الغير طيب . - أطيب الطيب المسك فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم ذَكَرَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. حَشَتْ خَاتَمَهَا مِسْكاً. وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ. ورواه أبوداود بلفظ : قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «أطْيَبُ طِيبُكُم المِسْكُ». فالأفضل للمسلم أن يتطيب بأفضل ما يجد , وهكذا كان النبيصلى الله عليه وسلم يتطيب عند إحرامه بأطيب ما يجد فعَنْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللّه ِصلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ. رواه مسلم . - يكره ردُّ الطيب ويدل على ذلك : 1- حديث أَنسٍ رضي الله عنه « أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان لا يَرُدُّ الطيبَ». رواه البخاري . 2- حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلاَ يَرُدَّهُ فإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ خَفِيفُ المَحْمَلِ». رواه أبوداود وعند مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ، فَلاَ يَرُدُّهُ. فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّب الرِّيحِ». والريحان : هو كل نبتة لها رائحة طيبة , ويحتمل أن يراد بالريحان في الحديث جميع أنواع الطيب ويكون مشتقاً من الرائحة كما قال المنذري . قال ابن حجر : " قلت: مخرج الحديث واحد، والذين رووه بلفظ الطيب أكثر عدداً وأحفظ فروايتهم أولى، وكأن من رواه بلفظ ريحان أراد التعميم حتى لا يخص بالطيب المصنوع ... قال ابن العربي إنما كان لا يرد الطيب لمحبته فيه ولحاجته إليه أكثر من غيره لأنه يناجي من لا نناجي " ( انظر الفتح , حديث (5929) , باب من لم يَرُدَّ الطيب ) قال صاحب عون المعبود : " والحديث يدل على أن رد الطيب خلاف السنة لأنه باعتبار ذاته خفيف لا ينقل حامله، وباعتبار عرضه طيب لا يتأذى به من يعرض عليه، فلم يبق حامل على الرد ، فإن كل ما كان بهذه الصفة محبب إلى كل قلب مطلوب لكل نفس. " ( انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود , حديث (4172) , باب في رد الطيب ) - ويتأكد استعمال الطيب في مواضع منها : 1- يوم الجمعة : لحديث أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : « الغُسلُ يومَ الجُمعةِ واجبٌ على كلِّ مُحتلمٍ، وَأن يَسْتَنَّ ، وَأَنْ يمسَّ طِيباً إنْ وَجدَ» , متفق عليه , ويستن أي يستاك وهذا هو الموضع الخامس من مواضع تأكد السواك , وعند مسلم بلفظ : « وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ». وفي لفظ له أيضاً « وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ.» أي من طيب امرأته وفي هذين اللفظين زيادة تأكيد على استحباب استعمال الطيب للجمعة , ومن أهل العلم من استحب التطيب للعيدين أيضاً قياساً على الجمعة,وأما من حيث الاستدلال فلا أذكر دليلاً يصح في هذا والله أعلم . 2- المرأة حينما تطهر من حيضها : لحديث عائشةَ أَنَّ امرأةً سألتِ النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المَحِيضِ فأَمَرَها كيفَ تَغتَسِلُ قال: «خُذي فِرْصَةً مِن مِسْكٍ فتَطهَّري بها. قالت : كيفَ أَتَطهَّرُ؟ قال: تَطهَّري بها. قالت: كيف؟ قال: سُبحانَ اللّهِ، تَطهَّري. فاجْتَبذْتُها إِليَّ فقلتُ: تَتَبَّعي بها أثرَ الدَّمِ » متفق عليه , فهذا الحديث يدل على استحباب تطيب المرأة الحائض , ومثلها النفساء بعد طهرها بأن تتبع بالطيب أثر الدم من بدنها وليس خاصاً بالفرج فقط كما هو قول جماعة من أهل العلم , لدلالة لفظ الحديث على تتبع أثر الدم أينما كان , والأفضل أن تستعمل في ذلك المسك . فائدة : يؤخذ من الحديث السابق , وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " سُبحانَ اللّهِ، تَطهَّري " مشروعية التسبيح عند التعجب و (سبحان الله ) تأتي للتعجب , وتأتي للإنكار , وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تعجب من شيء قال ( سبحان الله ) ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه حينما أجنب وكره أن يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك الحال قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سُبْحَانَ الله إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجَسُ ) , وفي الصحيحين لما مـرَّ رجلان بالنبي صلى الله عليه وسلم ومعه امرأة قال لهما :" على رسلكما إنها صفية بنت حيي رضي الله عنها , قالا : سبحان الله يا رسول الله " , وكذلك التكبير يأتي للتعجب ففي الصحيحين سأل عمـُررضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم : طلقت نساءك ؟ قال : لا قال عمر رضي الله عنه : الله أكبر " وكذلك ما جاء عند الترمذي وصححه حينما قالوا :" يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر إنها السَّنَن " فالتكبير والتسبيح مشروعان عند التعجب ومن أهل العلم من كره التكبير عند التعجب وهو قول مرجوح ولذا بوَّب البخاري في صحيحه " باب التكبير والتسبيح عند التعجب " ومثله النووي في الأذكار . 3- قبل الدخول في الإحرام : لحديث عَائِشَةَ رَضِي اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ. وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. متفق عليه , ففيه استحباب التطيب عند الإحرام للحج أو العمرة, واستحبابه قبل طواف الإفاضة لمن تحلل التحلل الأول . 4- تطييب الميت : لحديث أُمِّ عَطِيَّةَ . قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ. فَقَالَ: «اغْسِلْنَهَا ثُلاثَاً، أَوْ خَمْساً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ ذلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُوراً ، أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي» فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ. فَأَلْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ. فَقَال: «أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ». متفق عليه , والكافور : أخلاط من الطيب . وألحق بعض أهل العلم – كما تقدم من كلام النووي – استحباب الطيب للزوجة وكذا الزوج لأن هذا من حسن المعاشرة وحسن الاستمتاع , وكذلك حضور المجامع أي التي يجتمع فيها الناس كمجالس العلم والعيدين ونحوهما قياساً على الجمعة , وتقدمت المواضع التي ورد فيها الدليل والله أعلم . - ويستثنى من استعمال الطيب المُحرم رجلاً كان أو امرأة , فإن المعتمر أو الحاج بعدما يدخل في نسكه يحرم عليه استعمال الطيب حتى بعد موته إن مات محرماً , لحديث ابن عباس في الذي وقصته ناقته قال النبي صلى الله عليه وسلم : " وَلا تمسُوْهُ طِيْباً " متفق عليه , وحديث ابن عمر في الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم من الثياب , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلاَ الْوَرْسُ » متفق عليه , والزعفران والورس كانا من أنواع الطيب التي يستخدمونها . وتزيد المرأة في موضعين فتُنهى عن التطيب فيهما : الأول : إذا كانت مُحادَّة على زوج , فإنها تمتنع عن الطيب أربعة أشهر وعشرة أيام . ويدل على ذلك : حديث أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ. إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، وَلاَ نَكْتَحِلُ، وَلاَ نَتَطَيَّبُ، وَلاَ نَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً، وَقَدْ رُخِّصَ لِلْمَرْأَةِ فِي طُهْرِهَا، إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا ، فِي نُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ. متفق عليه , وقولها : (فِي نُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ) النبذة : هي القطعة والشيء اليسير , والقُسط : بضم القاف ويقال بالكاف المضمومة ( كُست ) وتاء بدل الطاء , والقسط والأظفار نوعان معروفان من أنواع البخور . الثاني : إذا كانت ستمر بمكان فيه رجال أجانب , فإنه يحرم عليها الطيب حينئذ . ويدل على ذلك : حديث أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَت ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى القَوْم لِيَجِدُوا رِيْحَهَا فَهِيَ زَانِيَة». رواه أحمد والنسائي وحسنه الألباني , ورواه أبوداود والترمذي . وحديث زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللّهِ بنِ مسعود، قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيباً». وحديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُوراً، فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ». رواهما مسلم . 4- من السنة التيمُّن عند ترجيل الشعر والمقصود بترجيل الشعر هو مشطه فإن من السنة أن يبدأ بالجهة اليمنى ثم اليسرى . ويدل على ذلك : حديث عائشةَ قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعجِبهُ التَّيَمُّنُ في تَنَعُّلهِ وتَرَجُّلهِ وطُهورِه وفي شأنهِ كلِّه. متفق عليه . وتقدَّم أن تقديم اليمنى في أعضاء الوضوء من السنة , وكذا هو في الغسل فإن من السنة البدء بالشق الأيمن قبل الأيسر , وكذلك تقدَّم قريباً أن من السنة التيمُّن عند التنعل , والموضع الثالث الذي يعجب النبي التيمُّن فيه في هذا الحديث هو الترجُّل وهو تسريح الشعر ويدخل فيه دهنه والله أعلم . وفي قول عائشة ( في شأنه كله ) أي أنه يعجبه التيمُّن في شأنه كله , وهذا في الأمور التي هي من باب التكريم كما قرر هذه القاعدة غير واحد من أهل العلم . وجاء في رواية عند البخاري " يحب التيمن ما استطاع " أي ما لم يمنعه مانع وهي إشارة إلى شدة المحافظة على التيمن ، ولكن يُخَصُّ من ذلك ما كان من باب التكريم كالثلاثة الواردة في الحديث وهي : التنعل والترجل والطهور , وغيرها مما وردت فيها السنة كدخول المسجد , وحلق الرأس , والأكل والشرب ، وغيرها من الطيبات مما لم يرد بها دليل على وجه الخصوص ، وأما ما كان من باب الأذى فإنه يبدأ بها باليسار كالاستنجاء وخلع النعلين ودخول الخلاء ونحوه ، وهذه قاعدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية والنووي . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في شرح العمدة 1/139 ): " اليمنى أحق بالتقديم إلى الأماكن الطيبة وأحق بالتأخير عن الأذى ومحل الأذى " . فبناءً على ما سبق الأحوال ثلاثة : الحال الأولى : ما كان من باب التكريم ( أي من قبيل الطيبات ) فتقدم فيه اليمنى رجلاً أو يداً كالأكل والشرب واللبس والوضوء والغسل والانتعال والترجل وحلق الرأس ونحوه . ويدل على ذلك: حديث حديث عائشة رضي الله عنها الذي تقدَّم . الحال الثانية : ما كان من باب الأذى ( أي من قبيل الخبائث ) فتقدم فيه اليسرى رجلاً أو يداً . كدخول الخلاء والخروج من المسجد والاستنجاء وخلع النعلين والامتخاط ونحوه . ويدل على ذلك : حديث أبي قتادة رضي الله عنه المتفق عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه " . الحال الثالثة : ما تردد فيه بين الأمرين أي لم يظهر فيه التكريم ولم يظهر فيه الأذى والإهانة فالأصل فيه التيمن . ويدل على ذلك:حديث الباب حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كله ". - قال النووي في شرحه لحديث عائشة الذي تقدَّم : " هذه قاعدة مستمرة في الشرع، وهي إنما كان من باب التكريم والتشريف، كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر وهو مشطه ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود، وغير ذلك مما هو في معناه يستحب التيامن فيه. وأما ما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه، وذلك كله بكرامة اليمين وشرفها والله أعلم. وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة لو خالفها فاته الفضل وصح وضوءه " ( انظر شرحه لمسلم , حديث (269) , باب التيمن في الطهور وغيره ) فائدة : يسنُّ لمن أراد حلق شعره أن يبدأ بالجانب الأيمن ثم الأيسر وهذه سنة مندثرة , دلَّ عليها حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم أَتَى مِنًى. فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا. ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ. ثُمَّ قَالَ لِلْحَلاَّقِ: «خُذْ » وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ . ثُمَّ الأَيْسَرِ. ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ. رواه مسلم .
[ ومما يُنهى عنه في هذا الباب : التشبه من الرجال بالنساء ومن النساء بالرجال , والتشبه بالكفار في اللباس ونحوه , والخيلاء في اللباس , والإسبال , ولباس الشهرة , وكشف العورة , ولبس الذهب والحرير للرجال إلا من عذر ,وحلق اللحية , وعدم قص الشارب , وإظهار المرأة مفاتنها على وجه غير مشروع , والمرأة تجتنب النمص والوشم وفلج الأسنان وهو تباعد ما بينها , ووصل الشعر , وتغيير خلق الله , والصبغ بالسواد ] - سنن في العطاس والتثاؤب 1- يسنُّ للعاطس أن يقول ( الحمد لله ) لحديث أبي هريرةَ رضي الله عنه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عطَسَ أحدُكم فليقل الحمد لله، وليقلْ له أخوه أو صاحبه : يَرحمكَ الله، فإذا قال له يَرحمكَ الله، فليقل: يَهديكُم الله ويُصلحُ بالكم» رواه البخاري . ويسنُّ له أن ينوِّع فيقول أحياناً: (الحمد لله على كل حال ) فقد جاء في رواية أبي داود : « إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُم فَلْيَقُلْ الْحَمدُ لله عَلَى كلِّ حَال ». وقال ابن القيم عن هذه الرواية : " إسناده صحيح " ( انظر زاد المعاد 2/436 ) ويقول له المشمِّت : ( يرحمك الله ) , ويسنُّ للعاطس أن يردَّ عليه فيقول : (يهديكم الله ويصلح بالكم ) وكل هذا دلَّ عليه حديث أبي هريرة السابق . فائدة : تشميت العاطس فرض كفاية على قول جمهور العلماء , إذا فعله بعض الحاضرين سقط التكليف عن الباقين , ومع ذلك لا ينبغي تركه خروج من استدلال من قال بفرضية العين واستدلوا باستدلال له حظ من النظر , وهو ما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : «.. فإذا عطَسَ أحدُكم وحمد الله كان حَقاً على كل مسلمٍ سمعه أنْ يقولَ له يَرحمك الله..» الحديث 2- السنة إذا لم يحمد الله العاطس أنه لا يُشمَّت فإذا لم يحمد الله العاطس فليس من السنة أن نشمِّته بل السنة ألا يُشمَّت , لحديث أنس رضي الله عنه قال : «عَطَسَ رجُلانِ عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فشمَّت أحدَهما ولم يُشمِّت الآخر، فقال الرجُلُ: يارسولَ الله، شمَّتَّ هذا ولم تُشمتْني، قال: إنَّ هذا حَمِدَ الله ولم تحمَدِ الله». رواه البخاري , وهذا من فعله صلى الله عليه وسلم , وجاء من قوله ما رواه مسلم عن أبي موسى قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللّهَ، فَشَمِّتُوهُ . فَإِنَّ لَمْ يَحْمَدِ اللّهَ ، فَلاَ تُشَمِّتُوهُ». ولكن إذا كان المقام مقام تعليم كأن يربي الأب ابنه , أو المعلم طلابه أو نحو ذلك مما هو في مقام التعليم , فإنه يقول له قل ( الحمد لله ) ليربيه على هذه السنَّة فقد يكون جاهلاً في سنيتها . وكذا من كان مزكوماً فإنه لا يُشمَّت بعد الثالثة , فإذا عطس ثلاث مرات يُشمَّت وبعدها لا يُشمَّت , ويدل على ذلك ما رواه أبوداود في سننه عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، موقوفاً ومرفوعاً قالَ: « شَمِّتْ أَخاكَ ثَلاَثاً فَمَا زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ». وقال الألباني : " حسن موقوف ومرفوع " ويؤيده ما رواه مسلم في صحيحه من حديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم وَعَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: «يَرْحَمُكَ اللّهُ» ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «الرَّجُلُ مَزْكُومٌ». فتحصَّل مما سبق أن العاطس لا يُشمَّت في حالين : 1-إذا لم يحمد الله . 2-إذا زاد على ثلاث مرات لأنه مزكوم . 3- من السنَّة كظم التثاؤب أو ردُّه باليد ويدل على ذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله يُحبُّ العطاسَ ويَكرَهُ التَّثاؤب، فإذا عطَسَ أحدُكم وحمد الله كان حَقاً على كل مسلمٍ سمعه أنْ يقولَ له يَرحمك الله. وأما التَّثاؤبُ فإنما هوَ منَ الشيطان، فإذا تثاءبَ أحدُكم فليرُدَّهُ ما استطاع، فإنَّ أحدَكم إذا تثاءبَ ضحِكَ منه الشيطان». رواه البخاري , وعند مسلم من حديث أبي سعيدرضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ. فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ». فيكون كظم التثاؤب إما بالتحكم عن طريق الفم وذلك بمنع انفتاحه أو بضغط الأسنان على الشفة , وإما بوضع اليد على الفم ونحو ذلك . قال ابن حجر : " (وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان) قال ابن بطال إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة، أي أن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائباً لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه. لا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب. وقال ابن العربي: قد بينا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته، وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك لأنه واسطته، قال: والتثاؤب من الامتلاء وينشأ عنه التكاسل وذلك بواسطة الشيطان، والعطاس من تقليل الغذاء وينشأ عنه النشاط وذلك بواسطة الملك. وقال النووي: أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك وهو التوسع في المأكل " ( انظر الفتح , حديث (6226) , باب إذا تَثاءَبَ فلْيَضعْ يدَه على فيه ) - وأيضاً فإن الأفضل للمتثائب ألا يرفع صوته بالتثاؤب كأن يقول ( ها ) أو ( آه ) ونحوها من الأصوات التي يصدرها لأن هذا مدعاة لضحك الشيطان عليه . ويدل على ذلك : حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «التثاؤبُ منَ الشيطان، فإذا تثاءبَ أحدُكم فلْيرُدَّهُ ما استطاع، فإنَّ أحدَكم إذا قال ها ضحِكَ الشيطان». متفق عليه . وجاء بلفظ عند أحمد : « إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّه مَا اسْتَطَاع، وَلا يَقُل : آه آه فَإِنَّ أَحَدَكُم إِذَا فَتَحَ فَاهُ، فَإِنَّ الشَيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ أَو بِه»
تنبيه : اعتاد بعض الناس على التعوذ من الشيطان بعد التثاؤب , ولا دليل على ذلك بل هو مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه جاء بذكر لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن . - سنن أخرى يومية 1- قول الذكر الوارد عند دخول الخلاء والخروج منه فيُسنُّ لمن دخل الخلاء أن يقول ما جاء في الصحيحين عن أَنْسٍ رضي الله عنه : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبثِ وَالْخَبَائِثِ». فائدة : ( الخبُث ) بضم الباء ذكران الشياطين والخبائث إناثهم , فتكون الاستعاذة من ذكران الشياطين وإناثهم . و ( الخبْث ) بتسكين الباء الشر والخبائث النفوس الشريرة فتكون الاستعاذة من الشر وأهله. والتسكين أعم وهو أكثر روايات الشيوخ كما قال القاضي عياض والخطابي وغيرهما . ويُسنُّ لمن خرج من الخلاء أن يقول ما جاء في مسند أحمد وسنن أبي داود والترمذي وصححه الألباني , عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ » . فائدة : قيل : مناسبة قول ( غفرانك ) أن الإنسان لما تخفف من أذية الجسم تذكر أذية الإثم فدعا الله أن يخفف عنه أذية الإثم كما منَّ عليه بتخفيف أذية الجسم . ذكره ابن القيم ( في إغاثة اللهفان1/58 ) . وقيل : إن مناسبة ذلك هو استغفاره لانقطاعه عن الذكر حال الخلاء , وقيل غير ذلك .
| |
| | | عبد الفتاح احمد المدير العام للمنتدي
عدد المساهمات : 454 نقاط : 150998 العضوية : 0 12/04/2011 العمر : 39
| موضوع: رد: السنة النبوية اليومية للرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل أمور الحياة الجمعة يونيو 03, 2011 12:08 am | |
| - تسنُّ كتابة الوصية فالوصية سنة لكل مسلم حال المرض أو الصحة لقول رَسُولِ اللّهِ قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ ، لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إلاَّ وَوَصِيَّّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه , وذكر الليلتين في الحديث ليست تحديداً وإنما المراد به ألا يمر عليه زمن قصير إلا ووصيته مكتوبة عنده لأنه لا يدري متى يموت ، وهذه سنة عامة لكل الناس . أما الوصية فيما عليه من حقوق الله تعالى كزكاة أو حج أو كفارة , أو حقوق الآدميين كالدين وأداء الأمانات فهذه واجبة لا سنة ؛ لأنه يتعلق بها أداء حقوق واجبة لاسيما إذا لم يعلم بهذه الحقوق أحد ( ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) . 3- السماحة واللين في البيع والشراء وذلك بأن يتحلى كل من البائع والمشتري بالسماحة واللين أثناء البيع ولا يتشدد كل منهما مع الآخر في المساومة في السعر والجدل فيه بل يتسامحان , فلا يبخس المشتري حق البائع فيطالب بإنزال السعر فوق طاقة المشتري , أو يُلحَّ عليه بشيء قد يضره , وكذا البائع لا يُضرُّ بالمشتري فيغالي بسعره أو نحو ذلك مما قد يؤدي لاستغلاله , وخلاصة الأمر أن يكون تعاملهما مبنيَّاً على السماحة واللين . ويدل على ذلك : حديث جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمَ الله رجُلاً سَمحاً إذا باعَ، وإذا اشترَى ، وإذا اقتَضى». رواه البخاري . وكذلك إذا طالب بقضاء حقه فإن من السنة أن يطالب بسهولة ولين لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإذا اقتضى ) قال ابن حجر : " (وإذا اقتضى) أي طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف، في رواية حكاها ابن التين «وإذا قضى» أي أعطى الذي عليه بسهولة بغير مطل، وللترمذي والحاكم من حديث أبي هريرةرضي الله عنه مرفوعاً «إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء» وللنسائي من حديث عثمان رفعه «أدخل الله الجنة رجلاً كان سهلاً مشترياً وبائعاً وقاضياً ومقتضياً» ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو نحوه وفيه الحض على السماحة في المعاملة واستعمال معالي الأخلاق وترك المشاحة والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم. " ( انظر الفتح, حديث (2076) , باب باب السُّهولةِ والسَّماحةِ في الشِّراء والبيعِ ومَن طَلبَ حقّاً فلْيَطْلُبهُ في عَفاف ) 4- صلاة ركعتين بعد كل وضوء وهذه من السنن اليومية التي يترتب عليها فضل عظيم وهو دخول الجنة , فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه «أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لبلالٍ عند صلاةِ الفجرِ: يا بلالُ حدِّثني بأَرجى عملٍ عملتَهُ في الإسلامِ، فإني سمعتُ دَفَّ نَعليكَ بينَ يدَيَّ في الجَنَّة . قال: ما عملتُ عَملاً أرجى عندي أني لم أتطهَّرْ طُهُوراً في ساعةِ ليلٍ أو نهارٍ إلا صلَّيتُ بذلكَ الطُّهورِ ما كُتِبَ لي أن أصلِّي». متفق عليه , ودَفَّ نعليكَ، يعني تحريكَ نعليك . 5- انتظار الصلاة وانتظار الصلاة من السنن التي يترتب عليها فضل عظيم . ويدل على ذلك : حديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ «لاَ يَزَالُ أَحَدكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ. لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلاَةُ». متفق عليه . فهو بانتظاره يأخذ أجر الصلاة . و عن أبي هريرةَرضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «الملائكةُ تُصلِّي عَلَى أحدِكم ما دامَ في مُصلاّهُ ما لم يُحدِثْ: اللهمَّ اغفرْ له، اللهمَّ ارحَمْهُ. لا يَزالُ أحدُكم في صلاةٍ ما دامتِ الصلاةُ تَحبِسُهُ، لا يَمنعُه أن يَنقَلِبَ إلى أهلهِ إلاّ الصلاةُ». متفق عليه , وقوله ( ما لم يُحدث ) أي مالم يأت بشيء ينقض الوضوء , وجاء عند مسلم : (مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ. مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ) أي أن هذا الثواب مشروط بألا يُلحق بأحد أذية في مجلسه , ولا ينتقض وضوئه . وعن أنسرضي الله عنه أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم أَخَّرَ ليلةً صلاةَ العِشاءِ إلى شَطرِ الليلِ، ثمَّ أقبلَ علينا بوجهِهِ بعدَما صلَّى فقال: صلّى الناسُ وَرَقدوا ولم تَزالوا في صلاةٍ منذُ انتظَرْتموها . رواه البخاري . قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (2/1296) : " هذه الأحاديث في بيان فضل انتظار الصلاة سواء كان ذلك بعد صلاة سابقة أو تقدم الإنسان إلى المسجد ينتظر الصلاة " وأيضاً حديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ علَى الْمَكَارِهِ. وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسْاجِدِ. وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ. فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ». رواه مسلم . 6- السواك والسواك من السنن المطلقة التي تفعل في كل وقت , وكان النبيصلى الله عليه وسلم يحث عليه كثيراً حتى قال : «أكثرت عليكم في السواك».رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه , وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه : «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ».رواه أحمد والنسائي من حديث عائشة . وتتأكد سنيَّة السواك في مواضع تقدَّم ذكر بعضها لاسيما التي تتكرر في اليوم والليلة , كالقيام من الليل , وعند الوضوء , وعند كل صلاة , وعند دخول المنزل , والله أعلم . 7- تجديد الوضوء لكل صلاة يُسنُّ للمسلم أن يجدد الوضوء لكل صلاة , فلو أنه توضأ لصلاة المغرب مثلاً ثم صلى المغرب , فإذا جاءت صلاة العشاء يُسنُّ له أن يتوضأ ولو كان على طهارة , فالسنة أن يتوضأ لكل صلاة وضوءً جديداً . ويدل على ذلك : حديث عند البخاري قال: « كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتوضَّأ عندَ كلِّ صلاة» وأيضاً من السنة أن يكون الإنسان على طهارة خلال يومه , لحديث ثوبان رضي الله عنه , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ» رواه أحمد وابن ماجة والدارمي . 8- الدعاء والدعاء من أسباب تحقيق رأس الرسالة ولُبُّها وهو التوحيد , وذلك حينما يقبل العبد على ربه داعياً متضرعاً منيباً إليه سبحانه , متبرأً من كل حول وقوة إلى حوله وقوته سبحانه , وبه يذوق العبد حلاوة المناجاة والتذلل والخضوع , وبه تُجلب النعم وتُدفع النقم لأنها عبادة يكون بها تمام الاعتماد على مَنْ عليه كل الاعتماد سبحانه , وغير ذلك من المنافع التي لا تحصره أسطر يسيرة , وهو نوعان دعاء عبادة – وهذا النوع يدخل في الذكر كما سيأتي – ودعاء مسألة وذلك حينما يسأل العبد ربه ويتوجه إليه في قضاء حوائجه , وتقدَّم في ثنايا السنن السابقة مواضع أحرى بأن يستجاب فيها الدعاء تتردد على المسلم في كل يوم وليلة وهي : حال السجود , والثلث الأخير من الليل , وما بين الأذان والإقامة , والمقصود هنا بيان ما يُسنُّ للمسلم فعله إذا أراد أن يدعو , فمن السنن : أ- أن يدعو وهو على طهارة لحديث أبي موسى في الصحيحين وقصته مع عمه أبي عامر حين بعثه النبي على جيش أوطاس , وفي الحديث قُتل أبوعامر وأوصى أبا موسى أن يُقرئ النبي السلام ويدعو له , قال أبوموسى : فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرنا وَخَبَر أَبِي عَامِرٍ. وَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: قُلْ لَهُ: يَسْتَغْفِرْ لِي. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ بِمَاءٍ. فَتَوَضَّأَ مِنْهُ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: «الّلهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ، أَبِي عَامِرٍ» حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: «اللّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ مِنَ النَّاسِ» ب- استقبال القبلة وعن عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِرضي الله عنه ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وسلم إلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللّهِ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هَـذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادّاً يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ. ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبَّكَ، فَإنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ..." الحديث رواه مسلم . جـ- رفع اليدين ويدل عليه حديث ابن عباس السابق وفيه : " فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللّهِ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ " والأحاديث لهذه السنة كثيرة . د- البدء بالثناء على الله عز وجل والصلاة على رسوله r لما رواه الترمذي , عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، وَصَلِّ عَلَيَّ ، ثُمَّ ادْعُهُ » وفي رواية له : « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ » وصححه الألباني في صحيح الترمذي. هـ- دعاء الله بأسمائه الحسنى فيختار من أسماء الله الحسنى ما يلائم دعوته ويوافقها ؛ فإذا سأل الله الرزق قال: "يا رزاق " ، وإذا سأل الله الرحمة قال: "يا رحمان يا رحيم"، وإذا سأل الله - سبحانه وتعالى - العزة قال: "يا عزيز" ، وإذا سأل الله سبحانه وتعالى المغفرة , قال " يا غفور " وهكذا يدعو بما يناسب دعوته , لقوله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها ) و- تكرار الدعاء والإلحاح فيه ويدل عليه حديث ابن عباس الذي تقدَّم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي » وما زال يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه وأبوبكر يلتزمه ويقول له ( يَا نَبِيَّ اللّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبَّكَ ) وكذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرةرضي الله عنه حينما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لدوس فقال : «اللهم اهْدِ دَوْساً وائْتِ بهم، اللهم اهْدِ دَوْساً وائت بهم». وكذلك ما جاء في صحيح مسلم في " الرَّجُلُ يُطِيلُ السَّفَرَ , أَشْعَثَ أَغْبَرَ , يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ. يَا رَبِّ يَا رَبِّ " وهذا تكرار فيه إلحاح . ومن السنة أن يدعو ثلاثاً , لحديث ابن مسعود في الصحيحين وفيه : " وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا ، وَإِذَا سأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ " ز- إخفاء الدعاء لقوله تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعاً وخفيهً ), وإخفاء الدعاء أقرب للإخلاص , ولذا امتدح الله سبحانه وتعالى زكريا فقال : (إذ نادى ربه ندآء خفياً ) طلباً للإخلاص على أحد أقوال أئمة التفسير . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( انظر مجموع الفتاوى 15/15 ) : " ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت ، أي: ما كانت إلا همسًا بينهم وبين ربهم عز وجل وذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفيةً } " ثم ذكر شيخ الإسلام فوائد عديدة لإخفاء الدعاء , يحسن بالمسلم أن يرجع إليها . [ ومما يُنهى عنه في هذا الباب : الاعتداء بالدعاء , والتكلف والسجع فيه , واستعجال الإجابة , الدعاء بإثم أو قطيعة الرحم , أكل مال الحرام يمنع الإجابة , والتردد بالدعاء , وقرن الدعاء بالمشيئة ] فائدة : ربما يسأل البعض ماذا أقول في دعائي , فالجواب ادع بما تريده من أمور الدنيا والآخرة , واحرص في دعائك على جوامع الكَلِم وهي الأدعية الواردة في الكتاب والسنة , ففيها سؤال خيري الدنيا والآخرة , وتأمل هذا السؤال حين عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم , فأجاب بكلمات عظيمات تجمع للمسلم الدنيا والآخرة فما أعظمها من بشارة وما أجزلها من عطيَّة , فتمسك بهن وتدبرهن , عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِـعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي؟ قَالَ «قُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي» وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلاَّ الإِبْهَامَ «فَإِنَّ هؤُلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ». رواه مسلم . وفي رواية له : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ الصَّلاَةَ. ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي». فائدة أخرى : يسنُّ للإنسان أن يدعو لأخيه بظهر الغيب , فهي دعوة مستجابة بإذن الله تعالى وللداعي فضل عظيم , وهو مارواه مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ، بِظَهْرِ الْغَيْبِ، مُسْتَجَابَةٌ. عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ. كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ. وَلَكَ بِمِثْلٍ».
9- الإكثار من ذكر الله تعالى وباب الذكر باب واسع , تقدَّم شيء منه في ثنايا السنن السابقة , والذكر مفهومه شامل , وله معنيان : أ- معنى عام : ويشمل كل أنواع العبادات من صلاة وصيام وحج وقراءة قرآن وثناء ودعاء وتسبيح وتحميد وتمجيد وغير ذلك من أنواع الطاعات؛ لأنها إنما تقام لذكر الله وطاعته وعبادته. قال شيخ الإسلام ( في مجموع الفتاوى 10/661 ): " كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرِّب إلى الله من تعلّم علم وتعليمه وأمر بمعروف ونهي عن منكر فهو من ذكر الله " ب- معنى خاص : وهو ذكر الله بالألفاظ التي وردت عن الله سبحانه وتعالى من تلاوة كتابه ، أو الألفاظ التي وردت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفيها تمجيد وتنزيه وتقديس وتوحيد لله سبحانه وتعالى . والمقصود في هذه السنة هو المعنى الخاص . وأعظمه تلاوة كتاب الله تعالى , فالتعبد بتلاوته أسهر عيون السلف وأقض مضاجعهم ( سورة الفاتحة البقرة آل عمرآن النساء المائدة الأنعام الأعراف الأنفال التوبة يونس ) فجمعوا في ليلهم تلاوة كتاب الله تعالى وسائر الأذكار المأثورة عن رسول الله , فلله درُّه من ليل طاب بإحياء أهله له , ويالخسارتنا وتهاوننا وتفريطنا بليالينا وأسحارنا ! وعسى أن تسلَم من عصيان إلهنا إلا ما رحم ربنا . - كيف كان الصحابة مع القرآن ؟ تقدَّم في أول السنن من حديث حذيفة كيف أن النبي قرأ في ركعة واحدة البقرة ثم النساء ثم آل عمران , وعن أبي وائلٍ عن عبدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال «صليتُ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلةً، فلم يَزَلْ قائماً حتى هَمَمْتُ بأمرِ سَوْءٍ. قلنا: وما هَممتَ ؟ قال: هممتُ أن أقعدَ وأذَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ». متفق عليه . - وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه . قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «اقرأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ » قَالَ قُلْتُ: إِنِّي أَجَدُ قُوَّةً. قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً» قَالَ قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ». ولما كان الصحابة أحرص الناس على القرآن , كانوا يتحسرون لفواته فجعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم فرصة يعوِّضون بها ما فاتهم من القرآن , روى مسلم في صحيحة حديث عُمَر بْنِ الْخَطَّابِرضي الله عنه ، قال : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ» , فياربِّ ألحقنا بركبهم واعف عن تقصيرنا وزللنا . - وعن أَوْسِ بنِ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال: «سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرآنَ؟ قَالُوا ثَلاَثٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ المُفَصَّلِ وَحْدَهُ».رواه أحمد وأبوداود . والمقصود بثلاث أي أول ثلاث سورة في أول يوم ثم الخمس التي تليها في اليوم الثاني وهكذا حتى يختموا القرآن بأسبوع , هكذا كان الرعيل الأول مع أعظم الذكر وهو القرآن , وحذا حذوهم من تبعهم من السلف ؛ لأنهم تربوا على نهج مدرستهم , فقلما تقرأ في ترجمة أحدهم إلا وتجد أنه كان يختم في كذا وكذا ومعظم هدْيهم التسبيع , أي يختمون كل أسبوع . - وعن حماد بن زيد : عن عطاء بن السائب , أن أبا عبد الرحمن قال : أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن فكنا نتعلم القرآن والعمل به , وسيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم . ( انظر سير أعلام النبلاء 4/ 269 ) - الذكر فيه حياة للقلوب كثير منَّا لاسيما في هذه الأزمان وكثرة الانشغال يشكو صدأ قلبه وغفلته , وحياة القلب تكون بالذكر , ففي صحيح البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : « مَثلَ الذي يَذكرُ ربَّه والذي لا يَذْكرُ ربه مَثلُ الحي والميِّت ». وفي لفظ مسلم قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : « مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ». قال ابن القيم : في كتابه مدارج السالكين في [ فصل منزلة الذكر] " ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الذكر وهي منزلة القوم الكبرى، التي منها يتزودون، وفيها يتجرون، وإليها دائمًا يترددون , والذكر منشور الولاية، الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم، الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورًا، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورًا.........وهو جلاء القلوب وصقالها ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقًا ازداد المذكور محبةً إلى لقائه واشتياقًا.....وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، ما لم يغلقه العبد بغفلته".اهـ. وذكر ابن القيم في كتابه الوابل الصيب ( ص 94 ) أكثر من مائة فائدة للذكر يحسن الرجوع إليها ففيها ما يستنهض الهمم للمحافظة على هذه العبادة العظيمة , وعرض فيها نماذج من الذاكرين لاسيما شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية. - حث الله سبحانه وتعالى على ذكره في مواضع عديدة منها : - حث الله سبحانه وتعالى عباده لأن يكثروا من الذكر فقال تعالى : ( يآ أيها الذين ءآمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً ) - ووعد الله الذاكرين والذاكرات بالمغفرة وعظيم الأجر والثواب فقال تعالى : ( الشورى والزخرف الدخان الجاثية الأحقاف محمد الفتح الحجرات ق الذرايات ) - وحذرنا الله سبحانه وتعالى من صفات المنافقين فهم يذكرون الله سبحانه وتعالى , ولكن تأمل مقدار ذكرهم قال الله تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً ) - وحذرنا الله سبحانه وتعالى من الانشغال بالأموال والأولاد عن ذكره جل وعلا فقال تعالى : (يآ أيها الذين ءامنوا لاتلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون 9) - وتأمل معي هذا الفضل العظيم , والشرف الرفيع , قال الله تعالى : ( فأذكروني أذكركم )وقال في الحديث القدسي: «أنا عندَ ظنِّ عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني، فإِن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرَني في مَلأٍ ذكرته في مَلأٍ خيرٍ منهم » متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . - وامتدح الله أولوا العقول من المؤمنين بأنهم يذكرونه على كل حال فقال تعالى : ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والليل لآيات لأولي الألباب . الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا بطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ) وفي سنته r - الذي كان خلقه القرآن - ما يفسر لنا من فعله هذه الآية فكان الذكر ملازماً له على كل أوقاته وأحواله , تقول عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم : كَانَ النَّبِيُّصلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الله عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ. ولك أن تتصور – أخي المسلم – كل أحيانه , وكيف هي كل أو بعض أحياننا , ولا أقول بمماثلتها ولكن بمقاربتها لأحيان النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فهل نحن في بعض أوقاتنا من الذاكرين ؟ رحم الله حالنا ! والأعجب من ذلك أن الأمام مسلم روى لنا في صحيحه كيف يكون ذكره r حتى في حال انشغاله فعن الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللّهَصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنََّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي. وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللّهَ، فِي الْيَوْمِ، مِائَةَ مَرَّةٍ». قال النووي : " والمراد هنا ما يتغشى القلب، قال القاضي: قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عد ذلك ذنباً واستغفر منه، قال: وقيل هو همه بسبب أمته وما أطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم، وقيل سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراته وتأليف المؤلفة ونحو ذلك، فيشتغل بذلك من عظيم مقامه فيراه ذنباً بالنسبة إلى عظيم منزلته ...... وقد قال المحاشي: خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام وإن كانوا آمنين عذاب الله تعالى " ( انظر شرحه لمسلم , حديث (2702) , باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه ) - الذكر نوعان : مطلق ومقيَّد وينبغي أن يحرص العبد على أن يذكر الله بقلبه ولسانه فإن هذا أكمل الأحوال , لا بلسانه فقط , فمن النَّاس مَنْ لايتسشعر ما يقوله من أذكار ؛ لأنه في أذكاره لا يتحرك إلا لسانه ولو تحرك القلب وتدبَّر لزاد الإيمان ورقَّ القلب , واعلم أيضاً – أيها الأخ المبارك – أن الذكر من حيث موضعه على نوعين : ذكر مقيَّد , وذكر مطلق ؛ فالمقيَّد هو ما قُيِّد بمكان أو وقت أو حال , والمطلق هو مالم يُعيَّن بشيء من ذلك , وإنما في سائر اليوم , فأذكار ما بعد الصلوات , أو الذكر الذي يكون بعد الأذان وكذا كل ذكر قاله النبي في مكان أو وقت معيَّن فإنه يُقدَّم على سائر الذكر المطلق , لأنه بهذا يحصل على إتباع النبي فيفعل كفعله صلى الله عليه وسلم , فلو سلَّم من صلاته المفروضة فإن الأفضل في حقِّه أن يأتي بأذكار ما بعد الصلاة ولا يأتي بغيره من الأذكار ولو كان فاضلاً كقراءة القرآن , لأنه هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم , والخير تمام الخير في التأسي به صلى الله عليه وسلم . - بالذكر يكون العبد من السابقين الحديث عن الذكر و فوائده يطول , ولكن ينبغي للمسلم ألا يكون ممن قلَّ ذكره لربه , ويبادر للحفاظ على تلك النوائل العظيمة والفضائل الجسيمة التي تكون في الذكر , ويحاول شيئاً فشيئا تعويد نفسه على عبادة الذكر , فيعوِّد نفسه التي لطالما نفهت من الطاعة, فيأخذ من سنة النبي r نوعاً ويحافظ عليه مدة حتى إذا استمكن منه وصار هذا الذكر من عمله في يومه وليلته حمل نفسه ورفع توقها , فتاقت لذكر آخر وهكذا , حتى يكون من ( المُفَرِّدين ) وهم الذاكرون الله كثيراً والذاكرات , فيكون من الذين سبقوا بقول النبي r كما روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ r يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ. فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ. فَقَالَ: «سِيرُوا. هَـذَا جُمْدَانُ. سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ » قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ «الذَّاكِرُونَ اللّهَ كَثِيراً، وَالذَّاكِرَاتُ». فالمُفرِّدين عرَّفهم النبي بالذاكرين الله كثيراً والذاكرات , والمفرِّدين في اللغة من الانفراد فكأنهم انفردوا عن غيرهم بذكر الله تعالى فلم يصل إلى ما وصلوا إليه كثير من أقرانهم كما ذكر بعض أهل العلم , وقبيح أن يكون القلب خالياً من ذكر الله تعالى , واللسان يابساً من ذلك وقد قال النبيصلى الله عليه وسلم لرجل جاءه قال له : إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فباب نتمسك به جامع؟ قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عزَّ وجلَّ». والحديث رواه أحمد والترمذي , فيا أخي المبارك ما لا يدرك كله لا يُترك كله فذكر واحد تمسك به حتى تضم إليه غيره وهكذا خير لك من أن يمضي عمرك ولم يزدد عملك من هذه العبادة الجليلة , ومما ورد في سنة النبي من أنواع الذكر كثير منها ما يلي : 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ، مِائَةَ مَرَّةٍ. كَانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ. وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ. وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ. وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذلِكَ ، حَتَّى يُمْسِيَ. وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ، مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ. وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ». متفق عليه . 2- وعن أبي أيوبرضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : « مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ». رواه البخاري ومسلم . 3- وعن سعد بن أبي وقاص قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِصلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ، أَلْفَ حَسَنَةٍ؟» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ. أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ». رواه مسلم . 4- عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ ، مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ عنه خَطَايَاهُ. وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ». متفق عليه , وفي رواية عند مسلم : «مَنْ قَالَ، حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللّهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ. إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ». والأحاديث في أنواع الذكر وفضلها كثيرة , والذي تقدَّم هو من أشهر وأصح ما ورد من الذكر له فضل , وورد غيره كثير فعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنََّةِ؟» فَقُلْتُ : بَلَى. فَقَالَ: «قُل لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللّهِ».رواه البخاري ومسلم , وعن أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ للّهِ وَلاَ إِلَـهَ إِلاَّ اللّهُ وَاللّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ».رواه مسلم , والاستغفار أيضاً هو من أنواع الذكر , وتقدَّم حديث الأغرِّ المُزني عند مسلم , وقول النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي. وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللّهَ، فِي الْيَوْمِ، مِائَةَ مَرَّةٍ». وهذا فعله صلى الله عليه وسلم , وقد حث على الاستغفار من قوله كما في صحيح مسلم عن الأغرِّ أيضاً قال : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللّهِ. فَإِنِّي أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ، إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ» , وعند البخاري من حديث أبي هريرةرضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «واللّهِ إني لأستغفرُ اللّهَ وأتوبُ إليه في اليوم أكثرَ من سبعينَ مرَّة» فينبغي للعبد ألا يغفل عن الاستغفار . وأختم سنة الذكر – وكذا جميع السنن اليومية - بذكر عظيم جاء في الصحيحين , ختم به البخاري صحيحه , وختم به ابن حجر كتابه بلوغ المرام وهو حديث أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمنِ. سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ. سُبْحَانَ اللّهِ الْعَظِيمِ». متفق عليه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . المصدر: "المنح العلية في بيان السنن اليومية" المؤلف/ عبدا لله بن حمود الفريح
| |
| | | | السنة النبوية اليومية للرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل أمور الحياة | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |